اكتشف علماء الآثار في منطقة خالية خارج مدينة تروخيو شمال بيرو بقايا ما يقارب أربعين طفلًا يُعتقد أنهم ضحوا بهم في طقوس دينية قبل أكثر من 600 عام.
طقوس دينية
وأوضح عالم الآثار خوليو أسينسيو، من موقع التنقيب، أن العديد من هذه البقايا تُظهر جروحًا في منطقة الصدر، بينما تحتوي بعض الهياكل على كسور في الأضلاع.
وأشار أسينسيو إلى أن كل طفل تم دفنه بشكل فردي، كما تم العثور على بقايا شخصين بالغين وتسعة من حيوانات اللاما قرب الموقع، حيث يُعتقد أن هذه الحيوانات كانت تُقدم كأضاحٍ تمثل مصدرًا للغذاء والملابس والتنقل.
ويعد حيوان اللاما، هو نوع من الثدييات الأهلية المستأنسة التي تعيش في جبال الأنديز في أمريكا الجنوبية، يعود أصل اللاما إلى حوالي 40 مليون سنة في أمريكا الشمالية، لكنها انتقلت إلى أمريكا الجنوبية منذ حوالي ثلاثة ملايين سنة.
وأضاف أن هؤلاء الأطفال يرجح أنهم ينتمون إلى حضارة تشيمو، التي سيطرت على شمال بيرو من القرن الثامن حتى أواخر القرن الخامس عشر، وأن التضحية بهم ربما كانت محاولة لتهدئة الآلهة بعد كوارث طبيعية مثل الأمطار الغزيرة والفيضانات، وقد غزت حضارة الإنكا المنطقة بعد فترة قصيرة من ذلك.
حضارة تشيمو
تعد حضارة تشيمو هي واحدة من أقدم الحضارات التي ازدهرت في شمال بيرو قبل وصول الإسبان، تأسست حضارة تشيمو بعد انهيار حضارة موشي في أوائل القرن العاشر الميلادي، واستمرت حتى أواخر القرن الخامس عشر عندما تم غزوها من قبل حضارة الإنكا.
يُعتقد أن حضارة تشيمو كانت واحدة من أقوى الحضارات التي سيطرت على منطقة الساحل الشمالي لبيرو، وامتدت من الحدود الحالية للإكوادور إلى وسط بيرو.
كانت شان تشان العاصمة الرئيسية لحضارة تشيمو، وهي أكبر مدينة بنيت من الطوب الطيني في العالم، وتقع بالقرب من مدينة تروخيو الحالية في شمال بيرو، وتُعد شان تشان أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو نظرًا لأهميتها التاريخية والهندسية، وكانت مركزًا تجاريًا وسياسيًا وثقافيًا للحضارة.
وتعتمد حضارة تشيمو بشكل كبير على الزراعة، وقد طورت نظام ري متقدم يستخدم القنوات والخزانات لتوصيل المياه إلى الأراضي الجافة، كان هذا النظام حيويًا لدعم الإنتاج الزراعي في المناطق الصحراوية على طول الساحل.
وبالنسبة إلى التجارة، كانت التجارة البحرية تلعب دورًا مهمًا في اقتصادهم، وتاجروا مع الحضارات المجاورة عبر المحيط الهادئ، مما ساعدهم في جلب الموارد الطبيعية مثل الأسماك، والمحار، والأخشاب من المناطق الأخرى.
الهندسة المعمارية
اشتهرت حضارة تشيمو ببناء المعابد والقصور والهياكل الدفاعية الضخمة باستخدام الطوب الطيني، تتميز مبانيهم بجدران مزخرفة بقطع فنية تمثل الحياة اليومية والمعتقدات الدينية.
تضم العاصمة "شان تشان" العديد من القصور الملكية والأحياء السكنية، بالإضافة إلى مخازن ضخمة وورش عمل، وبالنسبة إلى المدينة المدينة تم تصميمها بنظام شبكي دقيق يعكس مستوى التنظيم الاجتماعي والاقتصادي الذي وصلوا إليه.
الثقافة والفن
اشتهرت حضارة تشيمو بصناعة الأواني الفخارية والمجوهرات والمنسوجات، كانت الحلي الذهبية والفضية المتقنة تعتبر من أبرز منتجاتهم الفنية، حيث صنعوا تماثيل معقدة من الذهب والفضة تعبر عن رموز دينية وأسطورية.
كان للتضحية البشرية دور مهم في طقوسهم الدينية، وخاصة التضحية بالأطفال كجزء من الطقوس لاسترضاء الآلهة، تشير الاكتشافات الأثرية إلى وجود العديد من مواقع التضحية الجماعية، مثل تلك التي اكتُشفت خارج مدينة تروخيو.
اكتشافات حديثة
في اكتشاف سابق بالقرب من نفس المنطقة، عُثر على موقع يُعتقد أنه شهد تضحية جماعية من قبل شعب تشيمو، حيث تم اكتشاف رفات 140 طفلًا تعرضت أجسادهم لجروح مماثلة، ويُعتقد أن قلوبهم قد أزيلت، إلى جانب مئات من حيوانات اللاما.
يذكر أن بيرو تشتهر بآثارها التي تعود إلى العديد من الحضارات السابقة للاستعمار الإسباني، بما في ذلك إمبراطورية الإنكا التي امتدت من جنوب الإكوادور إلى وسط تشيلي قبل حوالي 500 عام، وذلك وفقا لما ذكره موقع reuters.