تعد العلاقات الاجتماعية مثار اهتمام كل البشر، شد وجذب، بقاء ورحيل، حضور وغياب ومواقف أخرى، مواقف قد تتطلب منك اتخاذ قرارات هامة وصعبة؛ إن قرارك الصعب هذا قد يتأخر، لكنه يجب أن يكون صائبًا صحيحًا لا تشبه شائبة ندم، تذكر أنك قد حصلت عليه بعد صراع طويل ومجهود شاق مع نفسك التي امتلكتك زمنًا وأملت عليك شروطها، أدارت بهواها الجامح أكثر أمور حياتك، زينت بطيشها علاقات لا خير فيها ولا جدوى منها، أرغمتك عليها أرهقتك بها وبنتائجها.
كان قرارك بسحب نفسك صعبًا للغاية لكنه كان حتميًا ولا بديل عنه، فعدد مرات انفعالك وتمزقك قد ارتفعت للحد الذي جعلها تثور عليك، تستجير منك، بعد أن مللت من تجاهلك وتسويفك لأمرك، كادت لولا بعض رحمة منها أن تتركك كما أنت لتواجه مصيرك وحدك بمفردك بعد أن استفزها جمودك صمتك؛ فأنت وعلى الرغم من سماعك لصافرة قطارك تتعجلك، إلا أنك كثيرًا ما كنت تتلكأ؛ فقل لي بربك: ماذا كنت تنتظر؟.
إن ألم الفراق الآن يجمع أمتعته، يلملم أدواته ويتأهب للوقوف أمامك مشهرًا كل أسلحته في وجهك، يعلن حربه الضروس عليك لكي يتمكن من إيهامك بعدم قدرتك على نسيان ذكرياتك، يعيق حركتك، ينشر نقاط ضعفك، يثير قلقك ويستفز خوفك، يصعد إلى قمته العالية متأهبًا لمبارزتك، لمنازلتك بسرد ذكرى ماض تعيس طوى أيامك وجل سنوات عمرك، ماض كلما كنت تسعى لنسيانه يأبى ذلك ويتمرد عليك.
اعلم بأن الذكريات لن تخلي سبيلك برغم مساوئ أغلبها سوف تتعمد مطاردتك، تباغتك وتحاصرك في نهارك وليلك، تختطف منك رضاك الكامل عما قررته بداخلك، وما علقت عليه قناعاتك مطمئنًا، ستحاول أن تحصل على نصيبها من فائض شعورك براحتك، ستحتجز نومك أيامًا، ستثير برياح ثورتها الهوجاء سكون روحك، ستجدد نوبات أرقك، لكنها ومهما طال بها الزمن ستزول يومًا؛ فصبرًا.
واعلم أن الرحيل المفاجئ أمر شاق وصعب جدًا، لكنه كلما جاء مبكرًا كلما خفف من نسب خسائرك وتأثيره النفسي السيئ عليك، اصبر واحتمل راضيًا بقدرك؛ فكم احتملت من قبله آلام ظلمك ومرارة قهرك، كم تجرعت كؤوسًا من عذابات نفسك، كم وقفت حائرًا، باحثًا عن طريق خلاصك حتى اعتقدت بأنك لن تجده أبدًا، كنت تعود في كل مرة مندفعًا مستدعيًا حصائد ذكرياتك، باكيًا من كل ما أحزنك وأهمّك.
هيا انهض الآن من عثرتك، اثأر لقلبك الذي استغاث منك، قلبك الذي نادى بحريته ليحررك من عبوديتك، شق صوته فضاءك مدويًا، وبرغم ذلك فقد زعمت أنك لم تستمع لندائه قط، وفي النهاية أقولها لك صادقة: "خالف هوى نفسك تغنم وتسلم".