رأت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية أنه في قلب الاضطرابات السياسية الأخيرة في فرنسا؛ تكمن موجة عميقة من الاستياء تجاه إدارة الرئيس إيمانويل ماكرون للأمور المالية الوطنية.
وذكرت الصحيفة أن ماكرون، المصرفي السابق المعروف بلقب "موزارت المالية"، أحدث فجوة في المالية العامة للبلاد نتيجة لزيادة الإنفاق على وباء كورونا؛ وبناء القوات العسكرية؛ ودعم الطاقة لمواجهة حرب روسيا على أوكرانيا؛ بالإضافة إلى تخفيضات ضريبية كبيرة لجذب المستثمرين وتقليل البطالة.
ولفتت الصحيفة إلى أن الوقت الآن حان لسداد الفاتورة. فلقد كشف رئيس الوزراء الجديد المحافظ، ميشيل بارنييه، أمس الخميس عن ميزانية حكومته الأولى والتى تبلغ 60 مليار يورو — ما يعادل 65.5 مليار دولار — من التدابير الرامية إلى تقليص العجز الفرنسي إلى 5% من الناتج الاقتصادي بحلول نهاية 2025، و3% بحلول 2029.
وتشمل وصفة بارنييه ، للعودة إلى الانضباط المالي زيادة مؤقتة في الضرائب على الشركات ذات العائدات التي تتجاوز مليار يورو والأسر التي تكسب أكثر من 500,000 يورو. لكن أكثر من ثلثي تدابير بارنييه لتوفير التكاليف ستأتي في شكل تخفيضات في الإنفاق العام، تتراوح من إلغاء دعم السيارات الكهربائية إلى تقليص عدد المعلمين في المدارس العامة وموظفي الخدمة المدنية.
وتواجه العواصم في جميع أنحاء أوروبا معضلة كيفية الاستمرار في تمويل الامتيازات الاجتماعية السخية لسكانها المتقدمين في السن وزيادة التمويل لجيشها المتقلص في زمن الحرب ونمو اقتصادي ضئيل. كما أنها تحت ضغط للاستثمار في سياسة صناعية تتيح للقارة التنافس مع الولايات المتحدة والصين.
وتزداد حدة التحدي في فرنسا، حيث شهد ماكرون تراجع الدعم في البرلمان، مما زاد من قلق المستثمرين بشأن ما إذا كانت إدارته لا تزال تملك رأس المال السياسي للحد من عبء الديون المتزايد في البلاد.
ويجب أن تمر ميزانية بارنييه الآن عبر الجمعية الوطنية الفرنسية الممزقة بشدة قبل نهاية العام، وتم زرع بذور الاضطرابات السياسية الحالية في فرنسا في وقت سابق من هذا العام عندما وسعت الوكالة الوطنية للإحصاءات فجوة الميزانية لعام 2023 إلى 5.5% من الناتج الاقتصادي، مقارنة بتوقع الحكومة البالغ 4.9% ، ثم في أبريل، اضطرت الحكومة إلى تعديل توقعاتها لعجز هذا العام، رفعها إلى 5.1% من الناتج المحلي الإجمالي من 4.4%. وردت وكالة التصنيف "ستاندرد آند بورز" بخفض تصنيف فرنسا.
واستجاب حزب بارنييه المحافظ، "ليه ريبوبليكان"، للفوضى المالية بالتهديد بإجراء تصويت بحجب الثقة عن الحكومة إذا لم يقم ماكرون بتسوية الأمور المالية في فرنسا بسرعة. ومع وجود هذا التهديد، فاجأ ماكرون البلاد في يونيو بدعوة لإجراء انتخابات مفاجئة للجمعية الوطنية المكونة من 577 مقعدًا، معتقدًا أن الناخبين سيعززون موقفه في مجلس النواب.
لكن مخطط ماكرون عاد عليه بعكس ما توقع. فقد خسر حزبه العشرات من المقاعد، وترك البرلمان مقسمًا إلى ثلاثة كتل ذات آراء متعارضة. ومن المقرر أن تبدأ المناقشات في الجمعية الوطنية في وقت لاحق من هذا الشهر.
وفي الوقت نفسه، حذرت حكومة بارنييه من أن عجز هذا العام قد يصل إلى أكثر من 6% من الناتج المحلي الإجمالي.
ومنذ أن تم انتخاب ماكرون لأول مرة عام 2017، قام بتخفيض الضرائب على الأعمال والأسر في محاولة لتعزيز النمو الاقتصادي في البلاد ، وساعدت هذه التدابير في خفض البطالة إلى أدنى مستوى لها منذ 40 عامًا وزيادة الاستثمار الأجنبي. ثم تعرضت اقتصاد فرنسا لضغوطات جراء جائحة كوفيد-19 وحرب أوكرانيا، مما أدى إلى زيادة التضخم وضغوط على ماكرون لزيادة الإنفاق العام.
ومع استمرار الحرب على عتبة حلف شمال الأطلسي، سعى ماكرون وقادة أوروبيون آخرون إلى ضبط إنفاقهم العسكري ليتماشى مع هدف الحلف البالغ 2% من الناتج المحلي الإجمالي. ويخطط ماكرون لرفع الإنفاق العسكري إلى 400 مليار يورو بين 2024 و2030، مقارنة بـ 295 مليار يورو بين 2019 و2025. ومع مطالبة الحلفاء لفرنسا بالمساهمة أكثر في دفاع أوكرانيا، أعلن ماكرون أن باريس ستنفق 3 مليارات يورو على المساعدات العسكرية لهذا العام.
ويعتمد الكثير على تمرير الميزانية، فقد طالب المستثمرون بمزيد من التعويض للاحتفاظ بالديون الحكومية الفرنسية. وارتفعت الفجوة بين عائد سندات الحكومة الفرنسية لعشر سنوات ونظيرتها الألمانية إلى حوالي 0.80 نقطة مئوية، مقارنة بحوالي 0.50 نقطة مئوية في بداية يونيو. وفي يوليو، أطلقت المفوضية الأوروبية إجراء ضد فرنسا بسبب خرقها لقواعد المالية في الاتحاد. وقد بلغ دين فرنسا أكثر من 3.2 تريليون يورو بنهاية الربع الثاني من هذا العام.
وبالنسبة للشركات ذات العائدات السنوية التي تتجاوز 3 مليارات يورو، يقترح بارنييه زيادة في ضريبة الدخل الشركات إلى 36% في 2025 و30% في 2026. بينما ستدفع الشركات التي لديها عائدات بين مليار يورو و3 مليارات يورو ضريبة دخل بنسبة 30% في 2025 و28% في 2026 بموجب الاقتراح الجديد.