استم عهد الخديوي إسماعيل خامس حكام مصر من الأسرة العلوية «محمد علي»، بالنهضة الثقافية المعمارية الكبيرة التي أسس لها ونفذ منها مشروعات كثيرة حينذاك بها، صاحب فكرة إنشاء كوبري قصر النيل الذي يُعد أحد أشهر الجسور فى العالم، وهو من أحضر تماثيل الأسود الأربعة، واللاتي تُعد رمزًا من رموز القاهرة.
و تتميز التماثيل بتصميم رائع ودقة في التفاصيل، وضعت بطريقة مميزة، يطلون على نيل القاهرة العظيم بشموخ وكبرياء، لتستقبل جميع زوار وسائحي القاهرة لتسر أعينهم، على مدخلي كوبري قصر النيل.
يعود تاريخ هذه التماثيل إلى منتصف القرن التاسع عشر حين أمر الخديوي إسماعيل ببناء جسر يربط بين منطقة الزمالك ووسط القاهرة، كجزء من مشروع تطوير القاهرة لتحويلها إلى "باريس الشرق".
وكُلف «إسماعيل باشا» شركة فرنسية ببناء الجسر وتصميم التماثيل، وتم إحضار الأسود البرونزية من فرنسا بعد أن صممها الفنان الفرنسي الشهير هنري جاكمار الذي عرف فيما بعد بسليمان باشا الفرنساوي، وقدم من قبل تمثال الكولونيل جوزيف سيف، والذى عهد إليه محمد على باشا ببناء الجيش المصرى الحديث.
وصنعت تماثيل أسود قصر النيل الأربعة، خاصة لكي توضع على بوابتي حديقة حيوان الجيزة، ولكن عندما وصلت لأرض مصر، أمر الخديوي توفيق، بوضعها على كوبري قصر النيل لتعطي مظهر يليق بهيبة اسم والده، حيث كانت تجرى في ذلك الوقت عملية تجميل للكوبري، فتم وضع أسدين على كل مدخل.
ووضع بدلًا من الأسدين في حديقة الحيوان لوحات مجسمة على المدخل، عند افتتاحها عام 1891، لتصور مختلف حيوانات الغابة.
كوبري قصر النيل
أمر الخديوي إسماعيل بإنشاء جسر يربط بين ميدان التحرير، والذى كان معروفا وقتها بـ "ميدان الإسماعيلية"، والضفة الغربية من النيل بمنطقة الجزيرة، لتكون مصر مدينة أوروبية مميزة.
و كانت أوروبا تربط الجسور بين ضفافها، وكان الناس ينتقلون فى هذه الفترة بين ضفتى النيل، باستخدام النقل النهرى، عبر المراكب الشراعية، التي تٌصف بجوار بعضها البعض وتمتد عليها ألواح من الخشب كى يسير الناس عليها.
بدأ العمل الفعلي في إنشاء الكوبرى عام 1869 حينما أصدر الخديوي إسماعيل، الأمر لتنفيذ البناء، وقد كلفت شركة الفرنسية للتنفذ الفعلي، وبلغت تكلفة المشروع حوالى 2.750 ألف فرنك، أو ما يعادل 108 ألف جنيه مصرى فى هذا الوقت، واستغرق البناء حوالى 3 سنوات وبلغ طول الكوبرى 406 أمتار وعرضه 10 أمتار ونصف المتر شاملة الأرصفة الجانبية التى بلغ عرضها مترين ونصف المتر.
وكان الكوبري مكونًا من 8 أجزاء، منها جزء متحرك من ناحية ميدان الإسماعيلية طوله 64 مترًا لعبور المراكب والسفن يتم فتحه يدويًا من خلال تروس، علاوة على جزئين نهائيين بطول 46 مترًا و5 أجزاء متوسطة.
كما بلغ طول كل منها 50 مترًا، وتم تأسيس دعائم الكوبري من الدبش المحاط بطبقة من الحجر الجيرى الصلب، كما تم تنفيذ الأساسات بطريقة الهواء المضغوط، وصممت فتحات الكوبرى كي يمكنها حمل 40 طنًا والسماح بعبور عربات متتابعة وزن كل منها 6 أطنان أو تحمل أوزان ضخمة موزعة على جسم الكوبرى.