أدت الانقسامات السياسية المتزايدة بين الحزبين "الديمقراطي" و"الجمهوري" في الولايات المتحدة الأمريكية، لا سيما الناجمة بعد الوصول الرئيس "الجمهوري" الأسبق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، في عام 2016، إلى تعزيز النزعة الانفصالية لدى بعض ولايات البلاد، حتى بات مصطلح "الطلاق الوطني" شائعًا فيها.
ويسلط التقرير الآتي الضوء على "خمس" ولايات أمريكية، شهدت في غضون الفترة الماضية، دعوات تطالب بالانفصال عن الولايات المتحدة الأمريكية، لأسباب غالبًا ما تكون سياسية.
تكساس
برزت ولاية "تكساس" في الآونة الأخيرة، كإحدى الولايات التي تريد الانفصال عن الولايات المتحدة الأمريكية؛ جراء الأزمة الناتجة عن المهاجرين غير النظاميين، الذين لا يتوقف وصولهم للبلاد عبر الحدود الجنوبية مع المكسيك.
وتخضع "تكساس" لسيطرة الحزب الجمهوري، الغريم التقليدي للحزب الديمقراطي، الذي ينتمي إليه الرئيس الحالي جو بايدن، المتهم من قبل حاكم الولاية برفض أداء واجباته بتأمين الحدود الجنوبية للبلاد.
وجراء ذلك، أعلن جريج أبوت، حاكم ولاية تكساس، أن الولاية تتعرض للغزو من مئات الآلاف من المهاجرين غير النظاميين، وهو ما ارتأه يمنحه الحق في اتخاذ إجراءات استثنائية لحماية حدود ولايته.
وحظي موقف "تكساس" بدعم من 25 ولاية من الجمهوريين، حيث أيدت الإجراءات التي اتخذتها لتأمين حدودها، وتعهد حكام 10 ولايات بإرسال قوات من الحرس الوطني من ولاياتهم لدعم ولاية وتكساس، واعتبروا أن هذه معركة من أجل مستقبل أمريكا.
ومع تلك التطورات، تزايدت المخاوف في البلاد من اندلاع حرب أهلية، ما يُسفر عن انفصال تكساس عن الولايات المتحدة الأميركية، لتجعل منها 49 ولاية.
نيو هامبشير
شهدت ولاية "نيو هامبشير"، في شهر يوليو الماضي، انطلاق حركة تُسمى "خروج نيو هامبشير الآن"، اقتداءً بالحراك البريطاني الذي أطلق قبل سنوات للخروج من الاتحاد الأوروبي، والذي اتخذ اسم "بريكست".
وعن أسباب دعوات الانفصال، تقول الحركة "هناك 2.5 مليون بيروقراطي غير منتخب في واشنطن العاصمة، وهم المسؤولون عن جر الأمة إلى حافة الإفلاس. ليس ذلك فحسب، بل إنهم يستنزفون الأموال من جيوب دافعي الضرائب كل عام، ويدوسون على حقوق مواطني نيو هامبشاير"، بحسب مجلة "نيوزويك" الأمريكية.
ولم تكن تلك الدعوة الأولى، التي تشهدها الولاية، في غضون العام الحالي، حيث أنه في يناير الماضي، قدم النائب الجمهوري، جيسون جيرهارد، تشريعًا لمجلس الولاية الأمريكية يُطالب فيه بإعلان الاستقلال إذا تجاوز الدين الوطني الأمريكي 40 تريليون دولار.
لكن، لاحقًا، تم رفض ما قدمه النائب الجمهوري، قبل أن يعود زميله النائب الجمهوري، ماثيو سانتوناستاسو، لتقديم مشروع قانون منفصل إلى مجلس الولاية يدعو إلى إنشاء لجنة لدراسة الاستقلال للتحقيق في "الجوانب الاقتصادية والقانونية والاجتماعية" لممارسة نيو هامبشير "حقوقها السيادية" وتصبح دولة مستقلة.
لويزيانا
بشكل مماثل لما حصل في "نيو هامبشير"، انطلقت حركة سياسية في ولاية "لويزيانا" تحت اسم "لويزيانا الحرة"، تطالب بمغادرة "الولاية" لـ الولايات المتحدة؛ لتصبح دولة مستقلة تمامًا.
وتشير حملة "لويزيانا الحرة" إلى إن الحكومة الفيدرالية "تسيء إلى لويزيانا" وتدعو إلى مغادرة الولاية للاتحاد، إما بمفردها أو كجزء من اتحاد ولايات أمريكا الوسطى.
كاليفورنيا
دعوات الاستقلال في "كاليفورنيا" قديمة نسبيًا، إذا ما قورنت بسابقاتها، لكن لم ترصد تلك الدعوات في ظل عهد الرئيس الحالي جو بايدن، ولعل ذلك يرجع لكون الولاية محسوبة على الحزب الديمقراطي، الذي ينتمي إليه.
وفي المقابل، ازدهرت تلك الدعوات في أعقاب فوز المليادير دونالد ترامب برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، في عام 2016، وهذا يعني أننا قد نرى ذلك السيناريو مرة أخرى في حال عودته إلى البيت الأبيض.
وحقيقة، لم تكن تلك المحاولات الأولى من نوعها، بل سبق صعود "ترامب" دعوات مشابها، تهدف لجعل كاليفورنيا دولة مستقلة أو تقسيمها لولايات، لكنها باءت بالفشل.
ألاسكا
كغيرها، تطالب "ألاسكا" بالانفصال عن الولايات المتحدة الأمريكية، لكن هنا الأمر يختلف عن أي محطة سبق الإشارة إليها، حيث أن تلك الولاية لا تقع داخل جغرافيا الولايات المتحدة، بل تبعد عن شمال البلاد بنحو 800 كم من الأراضي الكندية، مقارنة بنحو 82 كم فقط من الأراضي الروسية.
وتاريخيًا، كانت "ألاسكا" تتبع الإمبراطورية الروسية، حتى أن اشترتها الولايات المتحدة الأمريكية، بـ7.2 مليون دولار، في عام 1867، إلا أن مؤخرًا، ارتفعت أصوات داخل روسيا تطالب بإجراء استفتاء في ألاسكا بشأن إعادتها إلى كنفها، تزامنًا مع تزايد التواترات بين البلدين على إثر الحرب الروسية الأوكرانية.
في عام 2015، طلب بعض ممثلي ألاسكا من الأمم المتحدة المساعدة في حق تقرير المصير، وشدد واضعو الوثيقة على أن بيع روسيا ألاسكا للولايات المتحدة، "لا يعني نقل السيادة على ألاسكا إلى الولايات المتحدة".
تعزز روح الانفصال
أشار إحدى استطلاعات الرأي، مؤخرًا، أن 23 بالمائة من الأمريكيين سيؤيدون انفصال الولاية التي يعيشون فيها عن أمريكا والتحول إلى دولة مستقلة.
وأوضح الاستطلاع أن هناك انقسامات حادة في تأييد الاستقلال بين الولايات، وتراوحت النتائج بين 36 بالمائة إلى 13 بالمائة ممن يرغبون في الانفصال عن الولايات المتحدة، والتحول إلى دولة مستقلة ذات سيادة.
ووفقًا لهذا الاستطلاع الذي أجرته شركة "يو جوف"، فبراير الماضي، فإن 36 بالمائة من سكان ألاسكا و31 بالمائة من سكان تكساس يرغبون في الانفصال عن الولايات المتحدة، وهي النسب الأعلى بين الولايات في عدد السكان الذين لديهم احتمالية أكبر لدعم الانفصال.
تلى ذلك، كاليفورنيا بنسبة 29 بالمائة، ثم نيويورك وأوكلاهوما بـ 28 بالمائة، وأيدت ولايات نبراسكا ووست فرجينيا وجورجيا بنسبة 25 بالمائة، ثم فلوريدا وإنديانا ومونتانا وواشنطن، بنسبة 24 بالمائة.
وأخيرًا، فقد خلصت المحكمة العليا الأمريكية في عام 1869 في قضية عرفت آنذاك بقضية "تكساس ضد وايت"، إلى أن انضمام "الولايات" للولايات المتحدة الأمريكية، تكون قد "دخلت في علاقة غير قابلة للحل"، وبالتالي لا تملك أي حق قانوني بالانفصال عن الاتحاد.
وهذا نفسه ما أيده القاضي في المحكمة العليا أنتونين سكاليا في 2006، حيث أكد على هذا الحكم بالقول "إذا كانت هناك أي قضية دستورية حُسمت بالحرب الأهلية، فهي أنه لا يوجد حق في الانفصال".