الخميس 14 نوفمبر 2024

ثقافة

مذكرات جرجي زيدان| الفصل السادس «الاحتفال بتوزيع الشهادات» (5-5)

  • 3-11-2024 | 10:05

جرجي زيدان

طباعة
  • بيمن خليل

بمناسبة الذكرى الـ110 لرحيل عملاق الأدب والفكر العربي، جرجي زيدان، تقوم "بوابة دار الهلال" بإعادة نشر مذكراته الشخصية، هذه المذكرات القيّمة، التي خطها زيدان بقلمه، سبق أن نشرتها مجلة الهلال على سبعة أجزاء متتالية في أعدادها الشهرية، بدأ نشرها في الأول من فبراير 1954، واستمر حتى الأول من سبتمبر من العام نفسه، مما يتيح الآن فرصة جديدة للقراء للاطلاع على هذه الوثيقة التاريخية الهامة في سيرة أحد أبرز رواد النهضة العربية.

هذا هو الفصل السادس من مذكرات مؤسس الهلال، وقد وقف في الفصل الماضي عند الحديث على نجاحه في امتحان القبول بكلية الطب بالمدرسة الكلية ببيروت "الجامعة الأمريكية الآن"، وكيف تم له هذا النجاح على الرغم من العقبات التي كانت أمامه، ثم تغلب عليها بالصبر والثبات والاجتهاد حتى حقق أمنيته، وأصبح طالبا بهذه الكلية، وفي هذا الفصل يتحدث عن حياته الدراسية بهذه الكلية.

الفصل السادس: الاحتفال بتوزيع الشهادات

وكانت العادة قد جرت بأن يقام في الكلية آخر السنة الدراسية احتفال كبير لتوزيع الشهادات على الناجحين في الامتحان، وهذا الاحتفال يدعى إليه الوجهاء والأدباء، ويحضره عمداء المدرسة بملابسهم الرسمية حيث يجلسون على منصة في صدر القاعة الكبرى، وبعد الانتهاء من الخطب يقف الرئيس وينادي الطلبة الذين استحقوا إجازة الطب أو البكالوريوس واحدا واحدا، ويسلمها إليهم، ثم يتولى الأساتذة توزيع شهادات الامتياز على مستحقيها المتفوقين في دراساتهم، بين تصفيق الحاضرين إعجابا بكل طالب من هؤلاء وهؤلاء

وحينما بدأ توزيع شهادات الامتياز، رأيت طلبة القسم العلمي وبعض الرفاق يولون وجوههم نحوي، ثم وقف الدكتور لويس وفي يده شهادة الامتياز في الكيمياء التحليلية وناداني باسمى، فتقدمت وتسلمتها في خجل من التصفيق، وما كدت أرجع إلى مكاني، حتى سمعت بعض الحاضرين يقولون لي: "ارجع لتتسلم الشهادة الثانية" ثم رأيت الأستاذ بورتر واقفا وبيده شهادة وهو ينادي باسمي، وقد اشتد تصفيق الحاضرين، فلم يسعني إلا الرجوع لتسلم هذه الشهادة، وقد اشتد خجلي، وإن كان قلبي يرقص فرحا

ولم ينل أحد شهادة الامتياز في النبات، لأن الدكتور بوسط أصر على اننا جميعا أخطأنا فهم مراده من أحد الأسئلة، فنقصت درجاتنا في الامتحان عن ثمانية من عشرة لهذا السبب، بينما شهادة الامتياز لا تعطى إلا لمن يحصل على أكثر من هذه الدرجة في الامتحان!

انتقلت في السنة التالية إلى صف المحولين في الكلية، وفيها كنا ندرس علوم التشريح والفسيولوجيا على يد الدكتور "ورتبات"، وندرس الاقرباذين على يد الدكتور "بوسط" وكان هناك علم جديد أدخلوه في الكلية هو "الترابيوتيا" أو خصائص المقاقير، وقد عهدوا في تدريسه إلى الدكتور "وليم فانديك" ابن أستاذنا الدكتور فانديك، وله فيه مؤلف حسن الترتيب، كما أن طريقته في التدريس كانت داعية إلى إعجابنا جميعا لأنها توضح أفكاره وتصورها تصويرا يدل على تمكنه من الموضوع، وكان صفنا يفخر بسبقه إلى دراسة هذا العلم الجديد، كما كنا جميعا نجد في دراسته لذة عظيمة، وقد لذت لي كثيرا دراسة الفسيولوجيا، لأنها ترشد الإنسان إلى حركات جسمه الداخلية مثل الهضم والتنفس والدورة الدموية وغيرها.. وقضينا في الدراسة بضعة أشهر، ثم وقع في الكلية حادث الإضراب من أجل حرية الفكر الذي يعد أول حادث من نوعه في الشرق.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة