كيمت مهد الحضارة، طالما عُرفت مصر بتاريخها العريق وآثارها الفريدة، التي كانت ومازالت عبارة عن تحفة فنية أدهش بها الفراعنة العالم بعظمة الفن المصري القديم، فكان لابد من حمايتها والمحافظة عليها من السرقة واللصوص، ووضعها داخل المتحف المصري بالتحرير، حيث يُعد أحد المعالم التاريخية والسياحية بالقاهرة الأكثر شهرة عالميًا، فهو أقدم متحف أثري في الشرق الأوسط، وأول مبنى ينشأ في العالم ليكون متحفاً.
بدأت فكرة إنشاء المتحف المصري، عندما كانت مصر تزخر بالقطع الأثرية التي أثارت إعجاب الأوروبين بعظمة هذا الفن المصري القديم، حيث قرروا جمع الآثار ذات القطع النادرة وخاصة التوابيت وإرسالهم إلى المدن الأوروبية، عن طريق التجارة أو الهدايا، في وقت لم يفهم المصريون الدوافع وراء تنقيبهم عن الآثار أو التجارة فيها.
تولى محمد علي حكم مصر خلال تلك الفترة، فكان منتبه ومدرك للدوافع وراء تجارة تلك الآثار، ومن هنا قرر بدأ استراتيجية جديدة كان أساسها أن تنفتح مصر على العالم الغربي.
أصدر محمد علي في عام 1835 مرسومًا يقضي بإنشاء مصلحة الآثار والمتحف المصري وقام بإسناد إدارة تلك المصلحة إلى يوسف ضياء أفندي بإشراف الشيخ رفاعة الطهطاوي ليتولى مهمة الاهتمام بآثار الماضي.
بدأ محمد علي في توعية المصريين بأهمية تلك الآثار، حتى نجح في تحذير الرأي العام بقيمة الآثار وأمر بإصدار قرار في 15 أغسطس 1835 بمنع التهريب والاتجار في الآثار المصرية، بل ضرورة صيانتها والحفاظ عليها، حيث تم إنشاء المتحف في الأزبكية.
توفي محمد علي عام 1849، وحدث اضطراب في الأمور بعد وفاته، وعادت ظاهرة الاتجار في الآثار إلى الظهور، وأخذت المجموعة التي كان يضمها المتحف في الأزبكية في الانكماش حتى تم نقلها إلى قلعة صلاح الدين في صالة واحدة.
تولى الخديوي عباس الحكم وأصدر أوامره إلى المديريات بفرض رقابة شديدة بحماية الآثار، حتى جاء أوجوست مارييت وقام باكتشاف مدخل السرابيوم بسقارة، وقام بعمل حفائر في جبانة العجل أبيس استمرت قرابة ثلاث سنوات، وسعى لإقناع أولي الأمر بإنشاء مصلحة للآثار المصرية ومتحف مصري.
وافق الخديوي سعيد على إنشاء مصلحة للآثار المصرية، وقام بتعيين مارييت مأمورًا لأعمال الآثار في مصر وإدارة الحفائر، حتى أنشأ أوجوست مارييت مخزنًا للآثار على ضفاف النيل ببولاق، والذي تحول في 5 فبراير 1859 إلى متحف عند اكتشاف كنز الملكة إياح حتب بمنطقة دراع أبو النجا بطيبة، الت كانت تحتوي على كنوز هائلة.
تم بناء المتحف في عهد الخديوي ولكنه تعرض لفيضان النيل في عام 1878 فغمرت المياه قاعات المتحف لدرجة أن مجموعة من المعروضات ذات القيمة الفنية العلمية قد فقدت.
قرر مارييت إنشاء متحف عوضًا عن الذي تعرض للغرق ليحافظ على الآثار ولكن لكثرة عدد الآثار لم تعد هناك حجرات كافية سواء في قاعات العرض أو المخازن للمزيد من الآثار، ومن هنا تنازل الخديوي إسماعيل عن أحد قصوره بالجيزة في المكان الذي تقع به حديقة الحيوان الآن، ليكون المقر الجديد للمتحف.
وضعت بعدها مسابقة دولية لتصميم مبنى المتحف، وفاز المعماري الفرنسي مارسيل دورنيو من بين ثلاثة وسبعون مشروع تصميم، وافتتحه الخديوي عباس حلمي الثاني عام 1902.
ويتسم تصميم مبنى المتحف بالطابع الكلاسيكي الحديث، ويتكون من طابقين يضمان مجموعات متميزة من الآثار المصرية تمتد من فترة ما قبل الأسرات وحتى العصرين اليوناني والروماني، من بينها لوحة الملك نعرمر التي تُخلد توحيد مصر العليا والسفلى تحت حكم ملك واحد.
كما يضم ومجموعة من التماثيل والقطع الأثرية لملوك عصر بناة الأهرامات، والمجموعة الجنائزية ليويا وتويا الملك جدي الملك إخناتون، وكنوز تانيس، بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من مومياوات الحيوانات، وورق البردي والتوابيت والحلي من مختلف العصور المصرية، وغيرها من القطع الأثرية التي تُكمل المجموعة المميزة لهذا المتحف.