في عالم الموسيقى العربية، هناك أسماء تظل خالدة في الذاكرة، وأحد هذه الأسماء هو فيروز، الصوت الذي عبر الأجيال والحدود ليصبح رمزًا للفن الأصيل.. جارة القمر التي أضاءت سماء الفن بصوتها العذب وأغنياتها الخالدة، من بيروت إلى كل زاوية في العالم العربي، لتظل فيروز رمزًا للأمل والجمال، وصوتًا يعبر عن الحب والوطن والإنسانية.
قبل 90 عامًا، داخل حارة زقاق البلاط في الحي القديم قرب العاصمة اللبنانية بيروت، استقبلت أسرة وديع حداد وليزا البستاني، مولودتهما الأولى "نهاد"، وفي بيت من حجرة واحدة طفلة تعلق قلبها بالغناء منذ صغرها، تجلس إلى جوار النافذة لتستمع إلى صوت مذياع من بعيد يشدو بصوت "أسمهان" و"أم كلثوم"، و"عبد الوهاب".
جارة القمر.. اكتشاف الطفلة المعجزة
وفي إحدى حفلات المدرسية من العام 1946، أعلن الأستاذ محمد فليفل، أحد الأخوين اللذين لحنا النشيد الوطني السوري، أنه وجد الكنز الذي سيفيض على العالم طربًا وجمالا، بيد أن الأب "وديع حداد" رفض أن تسلك ابنته الغناء في بادئ الأمر لكن انتهى به الأمر إلى الموافقة بشرط أن تلتزم ابنته بالشدو بالأغاني الوطنية وحدها.
"فيروز" أم "شهرزاد"؟.. هكذا خير الملحن حليم الرومي والد المطربة ماجدة الرومي، المطربة نهاد حداد، بين اسمي شهرة حينما كان بصدد تلحين أولى أغنياتها "تركت قلبي وطاوعت حبك"، لتنفجر بعدها موهبتها.
بدأت فيروز رحلتها الفنية في الأربعينيات مغنية كورال في الإذاعة اللبنانية، ثم قدمت العديد من الأغاني والألبومات الناجحة التي لاقت استحسان الجمهور وأحيت العديد من الحفلات الغنائية داخل لبنان وخارجه في دول العالم العربي والغربي، وغنت العديد من القصائد لعدة شعراء.
في الخمسينيات والستينيات، شهدت مسيرة فيروز الفنية ازدهارًا كبيرًا، إذ قدمت مع الأخوين رحباني مجموعة من الأغاني والمسرحيات الغنائية التي لاقت نجاحًا كبيرًا، من بينها: “بياع الخواتم”، “هالة والملك”، و"لولو"، لتستحوذ على قلوب الجماهير.
وفي عام 1954، تزوجت فيروز من الموسيقار عاصي الرحباني، وأنجبت منه 4 أبناء، وهم؛ "زياد، هالي، ليال، وريما"، ورغم انفصالهما في عام 1979، استمر التعاون الفني بين فيروز وعائلتها، حيث قدم نجلها زياد الرحباني ألحانًا جديدة لها، ليضيف بُعدًا جديدًا لمسيرتها الفنية.
800 أغنية.. فيروز تنشر السحر والجمال
غنت فيروز الكثير من الأغاني الوطنية للعديد من المدن العربية منها، زهرة المدائن، من قلبي سلام لبيروت، مرحبا عيد بلادي، أنا لا أنساك فلسطين، كما غنت العديد من الأعمال الخالدة ومنها: "نسم علينا الهوى"، "جارة القمر"، "أنا لحبيبي"، "يا طير"، "سلملي عليه".
تعد فيروز واحدة من أكثر الفنانين تأثيرًا في تاريخ الموسيقى العربية، حيث قدمت أكثر من 800 أغنية و15 مسرحية غنائية، وحققت مبيعات من ألبوماتها تجاوزت 150 مليون نسخة حول العالم، كما شاركت في عدد من الأفلام السينمائية، ومنها؛ "بياع الخواتم"، "سفر برلك"، و"بنت الحارس".
حصلت فيروز على العديد من الأوسمة والميداليات، وكرمها رؤساء الدول والملوك والسياسيين البارزين في عدة مناسبات، تقديرًا لمسيرتها الفنية المتميزة وعطائها الفني وصوتها الذي أطرب آذان المستمعين في كل مكان.
تجاوزت شهرة فيروز حدود الفن لتصبح جزءًا من الثقافة والتراث العربي، حيث غنت للأطفال وللحب وللقدس وللقضية الفلسطينية وللأم والوطن، وتميزت أغانيها ببساطة التعبير وعمق المعاني، ما جعلها قريبة من قلوب الجماهير في جميع أنحاء العالم العربي.