في تحول مفاجئ ومثير للقلق، تسبب إعلان الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول عن فرض الأحكام العرفية ليلة الثلاثاء في حالة من الاضطراب السياسي والاقتصادي، لم تدم سوى ساعات قبل أن يتراجع عن قراره، ولكن هذه الأحداث تركت تأثيرات عميقة على الثقة في الاقتصاد الكوري الجنوبي وأسواق المال الآسيوية بشكل عام.
الاضطراب السياسي وتداعياته على الاقتصاد
لم يكد يمر وقت طويل على إعلان الرئيس يون سوك يول عن فرض الأحكام العرفية، حتى تراجع عن قراره في وقت لاحق، هذا التراجع المفاجئ ترك البلاد في حالة من الاضطراب السياسي، حيث بات الرئيس الكوري يواجه احتمال عزله أو حتى السجن، إثر ما وصفه المحللون بمناورة سياسية فاشلة، وبحسب تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز"، أشار أستاذ الشؤون الكورية في جامعة ستانفورد، جي ووك شين، إلى أن أمام يون خيارين فقط: الاستقالة أو مواجهة إجراءات العزل.
وصف المحللون خطوة الرئيس بأنها "عمل يائس من قائد محاصر"، في وقت يعاني فيه الاقتصاد الكوري الجنوبي من تباطؤ، في ظل تأييد شعبي منخفض، وبرلمان تسيطر عليه المعارضة، وقد فشل الرئيس في حشد القوى السياسية اليمينية خلفه كما كان يطمح، ليجد نفسه محاصرًا في مشهد سياسي مضطرب وسط الانقسامات الداخلية، خاصة فيما يتعلق بنفوذ كوريا الشمالية في الساحة السياسية.
تراجع الأسواق الآسيوية وكوريا الجنوبية
على المستوى الاقتصادي، كانت أولى التداعيات الفورية لهذه الاضطرابات واضحة في أسواق المال الكورية الجنوبية، فقد انخفض مؤشر كوسبي بنسبة 1.44% ليغلق عند 2464 نقطة، كما تراجع مؤشر كوسداك بنسبة 1.98% ليغلق عند 677.15 نقطة، في إشارة إلى تصاعد القلق في الأسواق من تداعيات التوتر السياسي على الاقتصاد المحلي، كما توقفت عوائد سندات الحكومة الكورية لأجل 10 سنوات عن الانخفاض بعد سلسلة من الانخفاضات المستمرة لمدة 13 يومًا.
لم تقتصر الآثار على كوريا الجنوبية وحدها، بل امتدت إلى أسواق المال في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، حيث تأثرت الثقة في اقتصادات المنطقة بشكل كبير من جراء الاضطرابات السياسية في سيول.
تآكل ثقة المستثمرين وتأثيرات طويلة الأمد
ومن المتوقع أن تؤدي الاضطرابات السياسية في كوريا الجنوبية إلى تآكل طويل الأمد في ثقة المستثمرين، فقد أكد مؤسس ورئيس شركة "ريدل للأبحاث"، ديفيد ريدل، أن "الاضطرابات السياسية ستؤثر بشكل كبير على ثقة المستثمرين على المدى الطويل، وسيستغرق الأمر وقتًا حتى تعود الثقة إلى أسواق كوريا الجنوبية"، وأضاف أن الشركات الكبرى مثل صناعة الطاقة النووية ومستحضرات التجميل والدفاع ستظل الأكثر استقرارًا مقارنة بالقطاعات المتأثرة بالاضطرابات السياسية.
في الوقت نفسه، وبسبب المخاوف من عدم الاستقرار المالي، قام بنك كوريا باتخاذ تدابير عاجلة لتعزيز السيولة قصيرة الأجل ورفع التدابير اللازمة لتحقيق الاستقرار في سوق الصرف الأجنبي، كما أعلنت الهيئة التنظيمية المالية عن استعدادها لنشر 10 تريليونات وون (7.07 مليار دولار) لدعم استقرار سوق الأوراق المالية.
العملة الكورية تحت الضغط
من ناحية أخرى، تأثرت العملة الكورية الجنوبية (الوون) بشكل كبير من جراء هذه الاضطرابات، حيث من المتوقع أن يشهد الوون مزيدًا من الانخفاض في الأشهر المقبلة، وقال ألفين تان، رئيس استراتيجية الصرف الأجنبي في آسيا لدى "آر بي سي كابيتال"، إن "الاضطرابات السياسية المحلية ستؤدي إلى تفاقم المشاعر السلبية التي تحيط بالوون"، رغم محاولات بنك كوريا لمواجهة الضغوط.
كما أفادت تقارير بأن السلطات المالية الكورية الجنوبية قد تدخلت في السوق المحلي عبر بيع دولارات أمريكية لمحاولة الحد من انخفاض العملة، في خطوة تهدف إلى استقرار الوضع المالي في البلاد.
تداعيات أوسع على الاقتصاد العالمي
إلى جانب التأثيرات المحلية، فإن هذه الأزمة السياسية قد تتسبب في تداعيات أوسع على الاقتصاد العالمي، خاصة في القطاعات الحيوية التي تعد كوريا الجنوبية ركيزة أساسية فيها، وفي هذا السياق، حذر خبراء من أن أي توترات أو اضطرابات سياسية في كوريا الجنوبية قد تؤدي إلى تعطيل سلاسل الإمداد العالمية في العديد من الصناعات.
القطاع التكنولوجي والإلكتروني تحت التهديد
وتعد كوريا الجنوبية موطنًا لشركات كبرى مثل سامسونج وإل جي وSK Hynix، وهذه الشركات تلعب دورًا حيويًا في توفير أشباه الموصلات والرقائق الإلكترونية للأسواق العالمية، أي اضطرابات في كوريا الجنوبية قد تؤدي إلى تقطع الإمدادات من هذه الشركات، مما يرفع الأسعار عالميًا ويؤثر على العديد من الصناعات مثل صناعة السيارات والهواتف الذكية.
كما أن كوريا الجنوبية تعد واحدة من أكبر المصدرين للسيارات والسفن، وأي توقف في الإنتاج أو تعطيل في عمليات الموانئ يمكن أن يؤثر على حركة التجارة الدولية في آسيا وأوروبا.
الآثار الاقتصادية على الأسواق العالمية
وأشار الدكتور علي الإدريسي، أستاذ الاقتصاد الدولي، إلى أن التوترات السياسية في كوريا الجنوبية يمكن أن يكون لها تأثيرات كبيرة على الأسواق المالية العالمية، حيث يمكن أن تؤدي إلى تقلبات في عملات دول المنطقة، مثل الين الياباني واليوان الصيني، نتيجة خروج رؤوس الأموال من أسواق كوريا الجنوبية.
وأضاف أن الاقتصادات الناشئة، خاصة في جنوب شرق آسيا، ستتأثر بشكل كبير جراء أي اضطراب في الاقتصاد الكوري الجنوبي، الذي يعد أحد المراكز الصناعية الرئيسية في العالم.