جاءت الأحداث التي شهدتها العاصمة الكورية الجنوبية منذ أمس، لتثير حالة من الاهتمام بشأن مصير الوضع في كوريا الجنوبية، وعلاقة جارتها الشمالية بالأمر، مع أمر الجيش بالحفاظ على جاهزية قصوى لمواجهة أي تهديدات محتملة من كوريا الشمالية، ما يجدد تاريخ الخلاف بين الجارتين وهو الصراع الذي اندلع في شبه الجزيرة الكورية منذ تقسيمها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945.
الصراع فى شبه الجزيرة الكورية
حتى منتصف الأربعينيات من القرن الماضي، كانت شبه الجزيرة الكورية كتلة سياسية واحدة تُسمى كوريا، لكن مع نهاية الحرب العالمية الثانية 1945 ووقف إطلاق النار في الحرب الكورية انقسمت شبه الجزيرة بواسطة الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي إلى كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، وتفصل الكوريتين منطقة منزوعة السلاح، وكان الجزء الشمالي يقع تحت سيطرة الاتحاد السوفيتي، والجزء الجنوبي خاضع لسيطرة لجنة الأمم المتحدة المؤقتة لكوريا بقيادة الولايات المتحدة.
و أصبح كيم إل سونج -الذي كان قد عمل في الجيش السوفيتي منذ عام 1941- الرمز السياسي الأهم في كوريا الشمالية، بعد التقسيم، أُعلن عن تأسيس جمهورية جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية في التاسع من سبتمبر 1948، وشغل إل سونج منصب رئيس الحكومة، غادرت قوات الاحتلال السوفيتي البلاد في العاشر من ذلك الوقت.
بينما في كوريا الجنوبية عُقدت انتخابات شعبية عامة في العاشر من مايو عام 1948، و تأسست الجمهورية الكورية برئاسة ري سنغ مان، وبذلك حلت هذه السلطة محل الاحتلال العسكري الأمريكي رسميًا في الخامس عشر من أغسطس من ذلك العام، وغادرت القوات الأمريكية الجمهورية الكورية في العام التالي، ولا تزال الولايات المتحدة الأمريكية تحافظ على وجود عسكري في الجنوب لمساعدة كوريا الجنوبية، وذلك تنفيذًا لاتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين في عام 1997.
اكتمل تقسيم شبه الجزيرة الكورية بشكل رسمي عام 1948، لكن سرعان ما أدى التوتر بين الطرفين إلى اندلاع الحرب الكورية في عام 1950، والتي استمرت 3 سنوات، حيث انتهت في 1953 بعد أن ألحقت كلا من الكوريتين حالة من الدمار بجارتها الأخرى، واستمرا في التقسيم، وهو صراع مستمر، حيث تحافظ كلا منهما على مواجهة عسكرية مباشرة على الحدود، ففي خط العرض 38 الفاصل بين الكوريتين لا يزال النزاع الحدودي ما زال مستمرا بين الطرفين حتى هذا اليوم.
في 25 يونيو 1950 بدأت الحرب الكورية، عندما هاجمت كوريا الشمالية نظيرتها الجنوبية، وتوسع نطاق الحرب بدخول الأمم المتحدة بقيادة الولايات المتحدة، والصين أطرافا في الصراع، واستمرت حتى تم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في 27 يوليو 1953، حيث تُقدر أبحاث حديثة مجموع عدد الخسائر البشرية من القتلى لجميع أطراف الحرب بأكثر من 1.2 مليون شخص.
واستمرت حالة الحرب بين البلدين في إطار الحرب الباردة، كذلك ظلت الولايات المتحدة داعمة لكوريا الجنوبية، بينما دعمت الصين والاتحاد السوفيتي كوريا الشمالية، والتي مع تطويرها لبرنامجها العسكري وتطوير أسلحة نووية تثير حالة من القلق والمخاوف العالمية من إمكانية وقوع مواجهة نووية في شبه الجزيرة الكورية.
ورغم محاولات التقارب بين الكوريتين، والجهود الدبلوماسية التي عقدت بين قادة البلدين منها قمة عام 2018 بين زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون ورئيس كوريا الجنوبية مون جاي-إن، القمة التاريخية بين كيم جونج أون زعيم كوريا الشمالية والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بهدف التوصل إلى اتفاق نووي، لكن لم يتحقق أي سلم أو استقرار دائم بين البلدين.
الأحداث في كوريا الجنوبية
وأمس، فوجئ العالم بقرار رئيس كوريا الجنوبية، يون سيوك يول، بفرض الأحكام العرفية، بهدف "تطهير القوات الموالية لكوريا الشمالية والحفاظ على النظام الدستوري الليبرالي"، وما أن أعلن القرار، حتى بدأ إرسال الجيش إلى برلمان البلاد لمنع مرور النواب إلى المبنى.
وتمكن برلمان كوريا الجنوبية من عقد اجتماع والتصويت على رفع الأحكام العرفية، في جلسة حضرها 190 نائبا من أصل 300، وصوتوا جميعا على القرار بالإجماع، وبعد التصويت وعد الرئيس برفع الأحكام العرفية، وسرعان ما دعت حكومة البلاد إلى إلغاء الأحكام العرفية، وبالفعل تم رفع الأحكام العرفية وتم استدعاء العسكريين الذين تواجدوا حول البرلمان.
وأعلنت المعارضة في سول عن عزمها توجيه اتهامات بالانقلاب للرئيس يون سيوك يول ووزير الدفاع كيم يونغ هيون ووزير الداخلية لي سانغ مين إضافة إلى لاعبين رئيسيين آخرين في الوضع بين الجيش والشرطة، وأنها ستضغط من أجل عزل الرئيس.
علاقة كوريا الشمالية
هذا ولم تغب كوريا الشمالية عن قرار الرئيس الكورى الجنوبى، بالأحكام العرفية، حيث قال إن القرار الهدف منه هو القضاء على القوى الموالية للجارة الشمالية، واتهم المعارضة الكورية الجنوبية بالتلاعب بالبرلمان والتعاطف مع كوريا الشمالية وشل الحكومة بأعمال مناهضة للدولة.
كذلك قالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية " ماريا زاخاروفا "، اليوم الأربعاء، إن قلق كوريا الشمالية على أمنها بعد الأحداث التي وقعت في كوريا الجنوبية أصبح مبررًا للجميع، حيث رأت كوريا الشمالية كيف يمكن أن تتحول الدولة خلال بضع ساعات من ديمقراطية معلنة إلى فوضى مطلقة، ويمتلئ المجال الجوي بالمروحيات، والطائرات العسكرية، والدبابات في الشوارع، والاستيلاء على البرلمانات، والمواجهة بين طوائف الشعب، وغيرها من الأساليب العنيفة".