لعلنا نشعر بالحاجة إلى منهج إحصائي ومن ثم تحليلى لبلوغ الإجابة المناسبة حول معطيات ما قرأه المثقفون خلال عام 2024م،. ولا حيلة فى الاجتهاد وفرض اقتراح يقرب القارئ من صورة اﻹجابة المتوقعة.. إلا أنه في الغالب هو قراءة للكتب الأدبية ومن ثم قراءة الرواية تحديدا .. وهذا انطباع شخصى أعتقد صدقه وإن افتقر إلى الإحصاء، وللرواية عدة محطات مع القارئ العربي عموما وفى العام الأخير، وهي وقفة تاريخية منذ نشأة الشكل السردى المسمى الرواية.. ووقفة آنية تتعلق بطغيان وغلبة هذا الشكل السردى مقارنة بالأشكال الأخرى.
صدرت الطبعة الأولى التجريبية من "ببليوجرافيا الرواية العربية الحديثة عن الفترة من 1865 حتى 1995م فى عام 1998م, عن قسم الدراسات العربية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة, تحت إشراف د. حمدي السكوت (طبعة تجريبية استطلاعية محدودة).
لعلها التجربة الأولى الأكثر مصداقية وجدية بالمقارنة إلى عدد من المحاولات السابقة عليها، ليس لأنها تقع فى أربعة أجزاء, راصدة فن الرواية منذ نشأتها الأولى حتى مع تلك المحاولات التي أسقطها البعض من كونها "رواية " بالمعنى التقني والفني.
ترجع أهمية الإشارة إلى تلك المحاولات إلى كونها رصدت تطور فنية الرواية نفسها, مع رصد وتحديد أبسط للدارس لتلك الروايات التي يمكن أن نحكم لها أوعليها, لنؤرخ للرواية نشأتها. لقد اختلفت الآراء حول نشأة الرواية العربية الحديثة، فيرى البعض أن العرب قد كتبوا الأدب الروائي القصصي (ملاحم عنترة، رأس الغول، سيف بن ذي يزن، السيرة الهلالية، حكايات ألف ليلة وليلة، حي بن يقظان....).
كما يرى البعض الآخر أنها شكل مستورد من الغرب منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
عموما الحقيقة تؤكد أن جذور القص والحكاية موجودة على شكل الحكايات والأساطير والملاحم سواء عند العرب أو غيرهم من الأمم. لكن الدارس يلمح أن الشكل الحالي من فن الرواية المعاصرة هو غربي الجذور والمنبت. كان ذلك نتيجة طبيعية للانفتاح الواسع من الشرق العربي إلى الغرب الاوروبى سواء نتيجة المجهودات الرسمية والمؤسسات وكذلك المجهودات الفردية .. منذ تمرد محمد على حاكم مصر على الدولة والهيمنة العثمانية.
وفى الشام راجت الرواية بشكلها الحديث الغربي مباشرة دون اعتراض من أحد, حتى أن البدايات الروائية هناك كانت الأسبق والتي تنسب إلى كتابها من الشام الفعليين، فقد كتب "فرانسيس مراش 1836 – 1873م" رواية بعنوان "غاية الحق عام 1865م"، وكتب "سليم البستاني 1874-1884م" روايات عديدة منها "الهيام فى جنان الشام" و"زنوبيا" و "بدور" .... إلخ.
إذا كان الأول سوري المولد والثاني لبناني، فكلا القطرين روجا للفن الجديد، بالإضافة إلى أسماء أخرى عديدة، منها: "أمين أرسلان"، "شكري العسلي"، "إبراهيم أنور"، "خليل سعد"، وغيرهم.
أما الوقفة الأخرى مع الرواية تلك التى راجت خلال السنوات الأخيرة ومن ثم خلال عام 2024م، هو انتشار الجوائز العربية بقيمة مالية لم تشهدها الساحة الثقافية من قبل، وقد مهدت بهذا الطريق إلى مزيد من رواج فن السرد الروائى.
بلغ عدد الجوائز في العالم (500) جائزة تقريبا، بينما تلاحظ توفير الميزانيات الهائلة المخصصة للبحث العلمي في الولايات المتحدة الأمريكية، ندرك السبب الرئيس وراء ازدهار المنجز العلمى هناك، فى مقابل المثال الفرنسى الذى كانت ميزانيات الفنون والآداب مرتفعة وبالتالى راجت الفنون والآداب، حيث عرف أن متوسط الجوائز الأدبية هناك 4 جوائز يوميا.
اتساع الفضاء العربي، ومنذ بضعة عقود، بدأ العرب في شخص بعض الملوك أو الرؤساء أو بعض الشخصيات المالية أو الإبداعية أو المؤسسات المالية والعلمية، يسهمون في خلق جوائز للإبداع الفكري والعلمي والأدبي والفني والرياضي. ونجح التنافس الإيجابي بينهم في خلق أسباب محفزة للمشاركة.
خلاصة الأمر أن أحوال الرواية فى مصر خلال هذا العام هو حصيلة تلك المحاور ومن ثم تلاحظ الآتى: انتشار وشيوع كتابة فن السرد الروائي بدرجة لافتة.. اتضحت تلك الظاهرة بمتابعة الإعلانات حول المنشور منها على صفحات التواصل الاجتماعى وغيره.. كما يتضح ذلك من كثرة المسابقات الأدبية التى تعنى بالرواية مع كثرة المتقدمين إليها سواء مسابقة لجنة السرد الروائى والقصصى بالمجلس الأعلى للثقافة، وكذلك مسابقة نادى القصة، بالإضافة إلى هيئة قصور الثقافة ونوادى وجمعيات الأدب الخاصة.
أما الظاهرة اللافتة والجديدة حول الرواية خلال هذا العام أيضا فهى أن رفع الكثير من دور النشر شعار "النشر بالمجان" لعرض الكتاب فى معرض القاهرة القادم فى 2025م، مما دفع البعض بالجلوس لكتابة رواية جديدة؟ ومع ذلك لا أراها ظاهرة سلبية، لعل المحاولة مع الثجدى بتوفير القليل أصحاب الموهبة الحقيقية.
والآن السؤال يتجدد؛ ماذا قرأ المثقف المصرى خلال هذا العام؟ لقد قرأ فى الأدب أكثر من غيره، والرواية تحديدا أكثر من غيرها من فنون الكلمة.. ومع ذلك أجزم مع هذا الكم الكبير من إنتاج الرواية هذا العام لم تقرأ نقديا ولا على المستوى البسيط للقارىء العادى وذلك لأسباب كثيرة أبسطها أن الكثير من دور النشر لا تطبع أكثر من خمسين نسخة؟ وهناك أسباب أخرى فى حاجة إلى مقال غيره!.