من أشهر كبار الأدباء المصريين، كان ومازال رائدًا من رواد القصة القصيرة، وفارسًا للرواية المصرية والعربية، اهتم بالأدب الساخر والحديث عن البسطاء والمهمشين، ترك لنا أيقونات بارزة في تاريخ الأدب، منها روايتي «البوسطجي» و« قنديل أم هاشم»، واللتان انتقلا للجمهور عبر الشاشة الفضية، ليسكنا في ذاكرة ووجدان الجمهور، وقدم غيرهما من مؤلفات مهمة في رحلة الأدب، وهو المبدع والمتميز في كتابة القصة القصيرة، ليصبح متفردا بين أعلام الأدب المصري والعربي، وإحدى أيقونات تاريخ الأدب والسينما إنه «صاحب القنديل» يحيى حقي.
النشأة وبداية الرحلة
وُلد يحيى حقي محمد حقي بدرب الميضة، بحي السيدة زينب بالقاهرة في 17يناير عام 1905، لأسرة تركية مسلمة متوسطة الحال غنية بثقافتها ومعارفها، هاجرت من الأناضول وأقامت في شبه جزيرة «المورة».
وبدأ تعليمه في كُتَّاب «السيدة زينب»، وبعد ذلك التحق سنة 1912 بمدرسة والدة عباس باشا الأول، الابتدائية بحي «الصليبية» بالقاهرة.
حصل على الشهادة الابتدائية، وفي عام 1917م، ثم التحق بالمدرسة «السعيدية»عام 1920م، وانتقل بعدها إلى المدرسة «الخديوية» وحصل منها على شهادة البكالوريا، والتحق في أكتوبر 1921م، بمدرسة الحقوق السلطانية العليا في جامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حاليًا) وحصل منها على الليسانس في الحقوق عام 1925.
الرحلة مع الحياة العملية
بدأ يحيى حقي حياته العملية بالتمرين، في مكتب نيابة الخليفة، وبعد مدة قصيرة ترك المحاماة بعد أن عمل بها لمدة ثمانية أشهر، عاش يحيى حقي في الصعيد، عامين، حتى قرأ إعلانًا من وزارة الخارجية عن مسابقة لأمناء المحفوظات في القنصليات، والمفوضيات؛ فتقدم إلى تلك المسابقة التي نجح فيها وكان ترتيبه الأخير، فعين أمينًا لمحفوظات القنصلية المصرية في جدة عام 1929 م ثم نقل منها إلى إسطنبول عام 1930م، حيث عمل في القنصلية المصرية هناك، حتى عام 1934م في روما، التي ظل بها حتى إعلان الحرب العالمية الثانية في سبتمبر عام 1939م.
وعاد يحيى حقي بعد ذلك إلى القاهرة في الشهر نفسه، ليُعين سكرتيرًا ثالثًا في الإدارة الاقتصادية بوزارة الخارجية المصرية، وترقى بعدها لمنصب مدير مكتب وزير الخارجية المصرية عام 1949م، وعاد بعدها للعمل في السفارة المصرية في باريس وأنقرة حيث عمل كسكرتير أول فيها، وبعد ذلك تولى منصب الوزير المفوض في ليبيا عام 1953، وأقيل حقي منذ منصبه ليعمل حينها في وزارة التجارة كمدير عام لمصلحة التجارة الداخلية.
وعاد إلى مصر ليستقر بها؛ فعين مديرًا عامًا لمصلحة التجارة الداخلية بوزارة التجارة؛ ثم أنشئت «مصلحة الفنون» سنة 1955 فكان أول وآخر مدير لها، إذ ألغيت سنة 1958، فنقل مستشارًا لدار الكتب، وبعد أقل من سنة واحدة أي عام 1959 قدم استقالته من العمل الحكومي، لكنه ما لبث أن عاد في أبريل عام 1962 رئيساً لتحرير مجلة «المجلة المصرية» التي ظل يتولى مسئوليتها حتى ديسمبر سنة 1970م.
«مجلة يحيى حقى».. منبرا للمعرفة
تولى يحيى حقي رئاسة التحرير من مايو 1962م وحتى نهاية عام 1970، وهي أطول فترة يقضيها رئيس تحرير للمجلة في تاريخها؛ لذا ارتبط اسم «المجلة» باسم الأديب يحيى حقي، وكان شائعا قول البعض: «مجلة يحيى حقى» واستطاع خلال مدة رئاسته أن يحافظ على شخصيتها كمنبر للمعرفة، والعقل وأن يفتح صفحاتها للأجيال الشابة من المبدعين، في القصة والشعر والنقد والفكر ليصنع نجوم جيل الستينيات في «شرفة المجلة» بشارع عبد الخالق ثروت.
وظل يحيى حقي يقوم بهذا الدور حتى العام الأخير من رئاسته للتحرير، حيث فوض نائبه الدكتور شكري محمد عياد لإدارة المجلة في خلال الشهور الأخيرة قبل أن يحتدم الخلاف بينه وبين المؤسسة الرسمية ويتركها في أكتوبر 1970م ليتولى رئاسة تحريرها الدكتور عبد القادر القط منذ نوفمبر 1970م حتى صدر قرار بإغلاقها، وإغلاق المجلات التي كانت تصدرها الهيئة المصرية العامة للكتاب في أكتوبر 1971 وبعدها بقليل أعلن يحيى حقي اعتزاله الكتابة والحياة الثقافية.
الإرث الأدبي لصاحب القنديل
أثرى يحيى حقي المكتبة الأدبية، المصرية والعربية، فقد تنوعت، مؤلفاته التي قدمها لجمهوره بين النقد الأدبي والفن والمسرح والسينما، ومن أشهر مؤلفاته رواية «قنديل أم هاشم» 1968م و«البوسطجي»، و«السرير النحاس» و«دماء الطين»، «الفراش الشاغر» و«قصة في سجن»، و«عنتر وجولييت»، وقدم لفن القصة القصيرة، المجموعة القصصية و«صح النوم»، «أم العواجز»، و«سارق الكحل»، وغيرهم، وكتب «فكرة فابتسامة، فجر القصة المصرية».
كما كتب «حقي» العديد من المقالات ومنها: «أتراب الميراث»،«أنشودة البساطة»، «عطر الأحباب»، و«هموم ثقافية» و«في السينما»، و«مدرسة المسرح»، و«في محراب الفن»، وقدم الكتاب الأدبي الموسيقي «تعالي معي إلى الكونسير»، كتاب السيرة الذاتية «خليها على الله»، وقدم «رسائل يحيى حقي إلى ابنته نهى حقي»، و كتاب تناول بعض الدراسات التاريخية بعنوان «صفحات من تاريخ مصر».
وتم نشر معظم مقالات يحيى حقي في العديد من الصحف والمجلات بين أواخر الستينات والسبعينات من القرن الماضي، وترجمت العديد من مؤلفاته إلى عدة لغات كالإنجليزية والفرنسية والألمانية.
ثمار الرحلة
حصل يحيى حقي على العديد من الجوائز والتكريمات عن أعماله الأدبية وأبرزها: جائزة الدولة التقديرية في الأدب عام 1969م، وهي أرفع الجوائز التي تقدمها الحكومة المصرية للعلماء والمفكرين والأدباء المصريين؛ تقديرًا لما بذله من دور ثقافي عام، منذ بدأ رحلته مع الكتابة، ولكونه واحدًا ممن أسهموا مساهمةً واضحةً في حركة الفكر والآداب والثقافة في مصر، بدءًا من الربع الأول من القرن العشرين.
ونال يحيى حقي وسام الفارس من الطبقة الأولى من فرنسا عام 1983م، وحصل على الدكتوراه الفخرية من جامعة المنيا في مصر عام 1983اعترافا من الجامعة بريادته وقيمته الفنية الكبيرة، وحصل على جائزة الملك فيصل العالمية عن الأدب العربي عام 1990م، لكونه رائدا من رواد القصة العربية الحديثة، وتم اختيار يحيى حقي ليكون شخصية معرض الكتاب في القاهرة لعام 2021م
ورحل يحيى حقي عن عالمنا في مثل هذا اليوم 9 ديسمبر، في 1992م في مدينة القاهرة ودفن فيها عن عمر يناهز سبعة وثمانين عامًا، ومنذ رحيل الأديب المتميز، ونحن لا ننسى إسهاماته الأدبية في فن القصة والرواية المصرية.