برغم عودة الزخم مرة أخرى إلى مسار المفاوضات القائم بين حماس وإسرائيل، بهدف تحقيق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، فإن المشهد برمته يبقى قيد رغبة رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي أفسد بشكل متعمد جهود الوسطاء في أكثر من مناسبة حفاظًا على مصالحه السياسية.
وطوال الأيام الماضية، ردد الإعلام العبري العبري نغمة واحدة مفادها أن صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في غزة في طريقها إلى النضج، حيث إن إرادة حماس للتوصل إلى اتفاق تبدو أكبر مما كانت عليه.
وادعت مصادر تحدثت لـ"هيئة البث الإسرائيلية"، أن حركة حماس و"تل أبيب" اقتربا من التوصل إلى صفقة "صغيرة" تشمل وقفًا لإطلاق النار لشهرين، إضافة إلى الإفراج عن أسرى "حالات إنسانية" من مسنين ونساء وجرحى ومرضى، وانسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من أجزاء من قطاع غزة.
وفي غضون ذلك، أكد جدعون ساعر، وزير الخارجية الإسرائيلي، أن هناك مفاوضات غير مباشرة مع حركة حماس، ومن الممكن أن تكون أكثر تفاؤلًا من ذي قبل، مضيفًا:"لكننا لم نصل إلى هناك بعد، وأنا آمل أن نحققه".
وزعم أن بلاده جادة في التوصل إلى اتفاق تبادل أسرى سيكون مرتبطًا بوقف لإطلاق النار في غزة، مؤكدًا في السياق ذاته، على أنه لن يكون هناك وقف إطلاق نار في غزة بدون اتفاق رهائن.
"نتنياهو يكذب"
وحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الأحد الماضي، بث الطمأنينة في نفوس ذوي الأسرى، قائلًا لهم إن سقوط نظام بشار الأسد في سوريا قد يدفع نحو إبرام صفقة تبادل أسرى في قطاع غزة.
لكن "نتنياهو يكذب"، هذا ما تقوله صحيفة "هآرتس" العبرية، التي تشير إلى أنه أقر لأول مرة منذ هجوم الفصائل الفلسطينية في السابع من أكتوبر 2023، بأن إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين لا يمكن أن يتم إلا من خلال صفقة، ولكن لا أمل يرجى من تصريحه.
وأكدت "هآرتس" أنه من الخطأ التفاؤل بتصريحات نتنياهو، فهو "مدمن للكذب"، وتظهر التجارب أنه لمعرفة حقيقة نواياه وأفعاله يجب تجاهل كل ما يقوله والتركيز على الضغوط التي يتعرض لها.
وفي رأيها أن العامل الرئيسي المؤثر على مصير الأسرى وقرارات نتنياهو هو آراء أعضاء اليمين "المتطرف" في ائتلافه، ففي كل مرة يتحقق فيها أي تقدم في المفاوضات تعترض هذه الفئة بدعوى وجود حاجة أمنية لاستمرار الحرب.
وبالأمس، تحدث نتنياهو مدعيًا وجود "تقدم معين في مفاوضات التوصل إلى صفقة"، لكن عندما سألته صحفية عن سبب عدم إيقافه للحرب في غزة مقابل صفقة شاملة مع حركة حماس، تجنب نتنياهو السؤال بمهاجمة الصحفية.
وردًا على ذلك، قال لـ"الصحفية": "استمري في نشر هذه الأكاذيب القائلة بأن هناك صفقة وأنا أوقفتها! هناك معارضون سياسيون من داخل المجلس الوزاري المصغر يبثون تلك الأكاذيب، لكن لم تكن هناك صفقة ومن حال دون ذلك هي حماس فقط".
وتمسك رئيس الوزراء الإسرائيلي، مرارًا، بمجموعة من الشروط ترفضها حماس، ولم يقبل بها الوسطاء، واعتبرها وزير الدفاع الإسرائيلي المقال يوآف جالانت، ورئيس الموساد ديفيد برنيع، في وقت سابق، أنها ستعرقل التوصل إلى الصفقة.
وفي الداخل العبري، تتهم المعارضة وعائلات الأسرى الإسرائيليين بغزة "نتنياهو" بعرقلة التوصل إلى اتفاق، في محاولة للحفاظ على منصبه وحكومته، على إثر تهديد وزراء متطرفون، بينهم وزيرا الأمن القومي إيتمار بن جفير والمالية بتسئيل سموتريتش، بالانسحاب من الحكومة وإسقاطها في حال القبول بإنهاء الحرب.
ولأكثر من مرة، كانت المؤشرات تشير بقوة إلى قرب التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، غير أن رئيس الوزراء الإسرائيلي كان له دور محوري في إفشال تلك المفاوضات القائمة بواسطة مصرية قطرية، حفاظًا على مصالحه السياسية.
جولة بالقاهرة
وعلى الجهة المقابلة، أجرى وفد من حركة حماس، الأحد الماضي، مباحثات مع رئيس المخابرات العامة المصرية اللواء حسن رشاد، حول جهود وقف إطلاق النار بقطاع غزة.
وذكرت حماس، أن وفدًا بقيادة خليل الحية غادر القاهرة بعد أن عقد الأحد، لقاء مع وزير المخابرات العامة بحثا خلاله جهود وقف إطلاق النار في قطاع غزة ولجنة الإسناد المجتمعي في القطاع، مشيرة في الوقت نفسه، إلى أن ذلك الوفد أكد حرصه على إنجاح هذه الجهود، وإنهاء العدوان على شعبنا.
وتعمل مصر جاهدة على تعزيز المصالحة بين حماس وفتح، وبالوقت نفسه تدفع نحو إبرام صفقة لإعادة الأسرى، ووفقًا لتقارير فقد أرسلوا أيضًا وفدًا إلى إسرائيل الأسبوع الماضي، وذلك وفق ما تذكره صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية.
وبحسب تقارير إعلامية أوردتها "الصحيفة"، فإن حركة حماس من جانبها لا تمانع قبول "اتفاق تدريجي" على غرار اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه مع "حزب الله" في لبنان، أي انسحاب إسرائيلي تدريجي من غزة، وليس بشكل فوري كما طالبت حماس في الماضي.
وعلانية، تؤكد "حماس" أنها حتى تقبل بأي اتفاق لا بد أن يحقق وقف فوري وكامل لإطلاق النارفي قطاع غزة، وانسحاب القوات الإسرائيلية إلى محاذاة الحدود، وشددت مرارًا أنها لن تقبل بأقل من ذلك.
ومنذ السابع من أكتوبر 2023، تشن إسرائيل حربًا مدمرة ضد قطاع غزة، خلفت أكثر من 150 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية بالعالم.