تشهد مصر جهودًا حثيثة للاستفادة من مخلفات زيت الطعام المستعمل، الذي أصبح يشكل تحديًا بيئيًا وصحيًا بسبب ممارسات التخلص الخاطئ منه، وتأتي هذه الجهود ضمن توجهات الحكومة المصرية نحو الحفاظ على البيئة ودعم الاقتصاد المستدام، عبر مبادرات تعزز إعادة تدوير هذا المورد المهدر وتحويله إلى منتجات ذات قيمة اقتصادية كبيرة.
500 ألف طن من الزيت المستعمل سنويًا
بحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، يبلغ استهلاك مصر من زيت الطعام نحو 2.4 مليون طن سنويًا، بمعدل 20 كيلو للفرد، ويخلف هذا الاستهلاك كميات ضخمة من الزيت المستعمل تُقدّر بحوالي 500 ألف طن سنويًا، وفقًا لتقارير منتدى مصر للتعاون الدولي والتمويل الإنمائي (OUDA).
مصادر الزيت المستعمل متعددة، وتشمل المنازل، المطاعم، والفنادق، بالإضافة إلى مصانع المواد الغذائية، ورغم العائد الاقتصادي الكبير من إعادة تدوير هذا الزيت، إلا أن نسبة كبيرة منه تُلقى في شبكات الصرف الصحي، مما يسبب أضرارًا بيئية خطيرة، أبرزها انسداد المواسير وتلوث المياه.
مبادرات حكومية لتعزيز إعادة التدوير
وفي إطار الجهود المبذولة للحد من مخاطر التخلص الخاطئ من الزيت المستعمل، أطلقت وزارة البيئة في يناير 2021 مبادرة "جرين بان"، التي تهدف إلى تشجيع المواطنين على تجميع الزيت المستعمل وتسليمه بدلاً من إلقائه في الصرف الصحي، وتتيح المبادرة للمواطنين استبدال كل 5 لترات من الزيت المستعمل بزجاجة زيت جديدة بسعة 1.75 لتر.
تعمل المبادرة تحت شعار "قرارك بيغيّر حياتك"، وتقدم خدمة التجميع المنزلي للزيت عبر الاتصال بالخط الساخن 19481 أو من خلال التطبيق الإلكتروني الخاص بالمبادرة، كما تؤكد الوزارة أن التخلص الصحيح من الزيت المستعمل يساهم في حماية موارد المياه ويجنب المواطنين تكاليف إصلاح أعطال الصرف الصحي.
استخدامات متعددة للزيت المستعمل
تتنوع استخدامات الزيت المستعمل في العديد من الصناعات، منها:
- الوقود الحيوي: يُعد الزيت المستعمل مادة خام لإنتاج الوقود الحيوي، الذي يعتبر بديلًا نظيفًا للوقود التقليدي ويُستخدم في العديد من الدول الأوروبية.
- صناعة الصابون والمنظفات: يدخل الزيت المستعمل في إنتاج الصابون والمنظفات المنزلية، ما يقلل من تكلفة الإنتاج ويحد من استخدام المواد الكيميائية الضارة.
- الجلسرين ومستحضرات التجميل: يُستخدم الزيت المعاد تدويره في إنتاج الجلسرين، وهو عنصر أساسي في مستحضرات التجميل.
ارتفاع أسعار بواقي الزيوت
وعلى الجانب الآخر شهدت أسعار بواقي الزيوت في السوق المصري ارتفاعًا ملحوظًا خلال العام الأخير، حيث وصل سعر اللتر إلى 40 جنيهًا، مقارنة بـ 20 جنيهًا في العام الماضي، وأوضح محمد سعيد، صاحب مركز لتجميع الزيوت بالقاهرة، أن هذا الارتفاع يعود إلى تزايد الطلب على الزيت المستعمل في الأسواق المحلية والعالمية، خاصة في ظل تصديره إلى دول أوروبية مثل هولندا وإيطاليا لاستخدامه في إنتاج الوقود الحيوي.
تحديات ومخاوف
ورغم الفوائد الاقتصادية والبيئية لإعادة تدوير الزيت المستعمل، إلا أن هناك تحديات يجب معالجتها، أبرزها ممارسات إعادة تعبئة الزيوت بطريقة غير قانونية أو تكريرها في أماكن غير مرخصة، وشدد الدكتور طارق العربي، رئيس جهاز المخلفات الصلبة، على ضرورة وضع ضوابط صارمة لضمان استخدام الزيت المستعمل لأغراض صناعية فقط، وعدم تسريبه للأسواق الغذائية حفاظًا على صحة المواطنين.
وتسعى الحكومة المصرية، بالتعاون مع المجتمع المدني والشركات المتخصصة، إلى إيجاد حلول مبتكرة للاستفادة من الزيت المستعمل، مما يحقق أهدافًا بيئية واقتصادية، ويظل وعي المواطن هو حجر الأساس في نجاح هذه الجهود، ليصبح كل فرد شريكًا في حماية البيئة ودعم الاقتصاد الوطني.