مع طله كل عام نعقد العزم ونقرر بمنتهى الحسم أبرام اتفاقية تصالح مع الذات تشتمل بنودها على كافة القواعد والشروط الضامنة للتخلص من كل ما هو سلبي في حياتنا، وكلنا أمل ورجاء أن يتغير عالمنا إلى الأفضل.. وما أن تمر عدة أيام حتى نعود لسيرتنا الأولى وكأن شيء ما كان،.. هكذا، تعيش عدد ليس بقليل من النساء المتيمات بعلاقات منتهية الصلاحية!
أقول هذا الكلام رداً على صديقة طلبت منى نصيحة تساعدها على بدء السنة الجديدة بعيداً عن حب رجل كان لها الحلم والعوض، حتى أنها زهدت كل شيء عداه، لم يكن زوجها فحسب بل الكون الذي حوله تدور على مدار عشر سنوات من عمرها، وبدلاً من أن يقدر مشاعرها، باغتها بطعنة غدر ممهورة بورقة زواج عرفي من أخرى، كادت تموت أمامي وهي تروي تفاصيل وهوامش فشل محاولاتها في التعافي منه، تناقضات عديدة عاشتها حتى أنها كرهت الليل لما يشهد من خطط نسيان سرعان ما تتبخر في الهواء الطلق مع تباشير كل فجر.. راحت تدق أبواب خبراء التنمية البشرية وأطباء علم النفس على أمل أن تجد دواء للنسيان غافلة أو متغافلة أن كل النصائح والعقاقير لن تفلح ما لم يكن لديها رغبة صادقة في ترتيب فوضى المشاعر المتحكمة في مصيرها..
تلك الفوضى التي لا يوجد قاعدة ثابتة ولا وصفة شاملة جامعة لترتيبها، فهذا الشيء الغامض المسمى "شعور" لم يتفق أي من العلماء أو حتى الحكماء على ماهيته، فبعض الباحثين عرفوه كحالة معقدة تؤدي بطبيعتها إلى تغيرات جسدية ونفسية تنعكس على أفعال الفرد وغالبًا ما ترتبط بوجدانه وخصاله الشخصية.. بينما حاول آخرون التفرقة بين الإحساس والشعور واعتبروا الأول سلوك ناتج عن تحليل عقلي، والأخير يخضع لأحكام العواطف..
وبعيداً عن كل ما قيل ويقال، فالأكيد أن إعادة تنظيم فوضى المشاعر لن يأتي أبداً من الخارج، إنما من داخل قلب أنهكه النبض بمن لا يستحق، فتمرد على دقاته وتمسك بإعادة ضبط بوصلته نحو أحلى غد..
فيا كل امرأة عانت ويلات الغدر العاطفي، تعالوا معاً نلمم مشاعرنا المهدرة على أرضية عشق لم يعرف قيمتنا عن حق، وندلل أنفسنا بما نستحقه من حب، نكف عن التعلق المرضي بتلابيب أمس راح وولى، نتعلم مهارة التأقلم مع فراق من سبق ودهس مشاعرنا، وبدلاً من الوقوف على محطة انتظار ندمه على ظلمه لنا.. نكف عن سرد أوجاعه ونتخطى تجربة مليئة بالخيبات الوجدانية الطاعنة..
وأخيراً وليس بأخر، تعالوا نستقبل العام الجديد بهجر كل مر، وبكل ما أوتينا من إرادة نقوي عضلة القلب ليتعافى من حالة فوضى المشاعر التي سبق وأهدرت أجمل سنوات العمر وكل سنة وأنا وأنتم بصحة وسعادة وحب.