في الوقت الذي تحتفل فيه كثير من البلدان باليوم العالمي للبريد، وهو يتزامن مع مضي 150 سنة على تأسيس الاتحاد البريدي العالمي عام 1874 بالعاصمة السويسرية برن، تساءلت أين ذهبت الرسائل الورقية؟ هذه الخطابات التي شهدت كثير من حكاوي العشق والغرام.
ومع ندرتها دخلت مشاعرنا الوجدانية في دائرة الخطر،.. لن أتحدث عن قصص أدبية لعب ساعي البريد دور محوري في مسار أبطالها كرواية "البوسطجي" للكاتب الكبير يحيى حقي، ولن أتكلم عن أَغَانٍ تحمل رسائل غرامية كان لها أشد الأثر على عواطف من عاشوا زمنها أشهرها رائعة العندليب عبد الحليم حافظ "جواب" التي كتبها الشاعر مرسي جميل عزيز ولحنها كمال الطويل عام 1960 لتمتد تبعات ماهية كلماتها إلى اختيارات أجيال متلاحقة، ربما أكون أصغرهم أو بمعنى أدق آخرهم.. لكنني أتوقف عند زمن الرسائل التكنولوجية، وما صاحبها من مشاعر إلكترونية، فدقة القلب تبدأ بتعليق على "الفيسبوك" ولهفة الشوق بمحادثة "ماسنجر" أو "واتساب"، أما وجع الفراق فيتلخص في "بلوك".. حتى المطاردات الغرامية لا تزيد على حساب مستعار لتتبع تحركات من خان وهجر!..
مساكين أبناء هذا الجيل، لم يتذوقوا دوار الحنين الهادر لرسالة بريدية تطمئن مشاعرهم المنهكة من طول غياب أحدهم وتطمئنهم أنهم لا زالوا على البال والخاطر، ولم يتجرعوا ماهية التعلق المرضي برنة الهاتف الأرضي حين تأتي حاملة نبرة صوت مع سماعه تعود الروح ممزوجة بمخاوف أن يرفع والديهما سماعة الهاتف من جهاز أخر!
أعتقد أن استبدال الخطابات البريدية بأخرى إلكترونية، لم يلحق ضرراً بعواطف نساء جيلي اللاتي عايشن العشق في زمن الرسائل الورقية والهواتف الأرضية فحسب، بل بمستقبل جيل بأكمله لا يعرف أبجدية الاستمتاع بالمشاعر دون الاستعانة بالهواتف الذكية واللمة الافتراضية الكاذبة.
هذا الجيل يا سادة، أصبحت رسائل البعض منه ليست إلا باب موارب لمشروع ابتزاز إلكتروني، ووسيلة يستخدمها أصحاب الضمائر النائمة للشهرة والتشهير بمن لم يرتكبوا ذنباً سوى التأثر برموز الحب ومنشورات لا حصر لها عن العشق والهيام. ووسط تلك المتاهة التكنولوجية، راح الحب في خبر كان!..
وليت الأمر توقف عند ضياع الحب، بل الكارثة أنه أمتد لكل المناحي الحياتية، فما عادت سعادتنا في مناسبة عائلية نتشارك فيها أحاسيس الفرح، بل في صورة نلتقطها لننشرها على "فيسبوك" و"انستجرام"، حتى مشاكلنا الأسرية أصبحت وسيلة لجمع أكبر عدد من الرموز والتعليقات، الوضع في تفاقم، بسبب سوء الفهم للاستخدام الأمن للهواتف الذكية والتطبيقات الإلكترونية، ليتنا ننتهز يوم البريد العالمي ليمسك كل منا بورقة وقلم ويعيد حساباته العاطفية عبر رسالة يضعها في بريديه الخاص، ربما وجد سعادته الحقيقية بعيداً عن المشاعر التكنولوجية.