في عالم يتعايش على صفيح ساخن، إثر حالة من الانقسام الدولي، التي تزايدات بشكل ملحوظ منذ اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير 2022، والتي قسمت العالم مرة أخرى إلى معسكر غربي وآخر شرقي.
حيث نصبت روسيا العداء لـ"الغرب" بأكمله، طامعة في استعادة مجدها "السوفيتي"، فعملت على تعزيز علاقاتها مع كل من طالته العقوبات الأمريكية أو حتى مجرد انتقادات، بشكل بات يقلق "واشنطن" من أن تكوى بنيران هي من أوجدتها بسياستها.
وبشكل ملحوظ لجأت روسيا مؤخرًا إلى تعزيز علاقاتها مع كوريا الشمالية وإيران والصين، ذات العلاقات المتوترة مع "واشنطن"، لا سيما في المجال العسكري، بشكل يدعمها في حربها ضد أوكرانيا، التي تحظى بدعم "غربي" لا محدود.
وتتخوف الولايات المتحدة الأمريكية من تنامي العلاقات بين تلك الدول، حيث في المستقبل قد تمثل "تحالف الرعب" بالنسبة لها، وذلك دفع الرئيس جو بايدن إلى مطالبة أجهزة الأمن القومي بوضع إستراتيجيات جديدة لمواجهة المخاطر الناجمة عن ذلك.
وانتهى بايدن في مذكرة "سرية" عن الأمن القومي صدرت، الثلاثاء، أن "موسكو" تزود حليفتها "طهران" بطائرات مقاتلة، وأنظمة دفاع صاروخية وتكنولوجيا فضائية في مقابل الحصول على مساعدتها في المجهود الحربي بأوكرانيا، بحسب وكالة "رويترز" للأنباء.
وبجانب ذلك، تزود "موسكو" "بيونج يانج" بالوقود والمال والتكنولوجيا، فضلًا عن اعترافها بها كـ"دولة نووية" بحكم الأمر الواقع، كما تجري روسيا دوريات مشتركة مع الصين في القطب الشمالي.
وفي الوثيقة، يأمر الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته جهات متعددة من الحكومة الأميركية بإعادة هيكلة مجموعات منظمة حاليًا حسب المنطقة، للتركيز بشكل أفضل على القضايا التي تربط الدول الأربع، وتمتد عبر أوروبا وآسيا.
ومستقبلًا، قد ينفذ الرئيس المنتخب دونالد ترامب، الذي سيتولى منصبه في الـ20 يناير المقبل، الإستراتيجيات والسياسات المقترحة في الوثيقة، أو يرفضها بالكامل.
تلك المخاوف لا يدور الحديث عنها في الخفاء فحسب، بل في العلن أيضًا، حيث أبدى وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، والأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرج، يونيو الماضي، قلقهما إزاء تعزيز العلاقات بين الصين وإيران وكوريا الشمالية وروسيا.
ومن وجهة النظر الأوروبية، فإن التعاون بين تلك الدول بشكل أوثق، لا سيما على المستوى العسكري، ينطوي على تأثير أكبر على الحروب والأزمات الإقليمية.
تحالف مضاد لـ"واشنطن"
وفي ذلك السياق، يؤكد الدكتور نبيل رشوان، المتخصص في الشأن الروسي، أن من الطبيعي أن تقلق الولايات المتحدة من تقارب بين الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية، وذلك لأنه قد يصبح فيما بعد حلفًا مضادًا لـ"واشنطن".
واستدرك "رشوان" في حديثه لـ"دار الهلال"، أن هذا التحالف بين تلك الدول الشرقية غير مستمر، وذلك نظرًا للتطورات الراهنة، فعلى سبيل المثال تعرضت طهران مؤخرًا لضربات متتالية كان آخرها سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، ومن قبل "حزب الله" اللبناني الذي أضعف إلى حد ما.
ومضى موضحًا وجهة نظره التي تشير إلى أن ذلك الحلف غير مستمر، مشيرًا إلى أنه "فيما يتعلق بالصين، فهي دولة كبيرة لا يمكن أن يضعها أحد تحت مظلته، ناهيك عن أنها أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة".
لكنه يضيف أن "العلاقات بين بكين وواشنطن متوترًا، نظرًا للقضية التايوانية، مما يجعل الدولة الآسيوية تدعم أي حلف مضاد للنفوذ الأمريكي".
وبالنسبة لكوريا الشمالية، يوضح الخبير السياسي، أنها تعاني من الحصار وتعاونها مع روسيا تحالف مصالح فقط لا أكثر، فالدعم العسكري الذي تقدمه تحصل في مقابله على النفط.
ولذلك يجزم "رشوان" بأن ذلك التقارب في العلاقات وليد الظروف الحالية، حيث تشترك تلك الدول في علاقاتها المتوترة مع "واشنطن" فالكل هنا يعمل في سياق مصلحته.
واعتقد أن من الصعب على روسيا إعادة مجدها القديم المتمثل في "الاتحاد السوفياتي"، وذلك جراء العديد من التغيرات التي طرأت مع مرور الزمن، فعلى الصعيد الأوروبي لن تحظى بحرية الحركة، حيث بات ذلك الجانب يميل لصالح الغرب، مستشهدًا بـ"مولودوفا" و"أرمينيا" و"دول البلطيق".
لكن في وسط آسيا فإن علاقات روسيا هناك أفضل بكثير وبدعم صيني، حيث تخشى من أن يتم ملء الفراغ الروسي بآخر أمريكي، لأنه في المستقبل قد يمثل ضغطًا عليها، بحسب "رشوان".