تُعد قصيدة «رَحَلَ الشَبابُ وَلَيتَهُ لَم يَرحَلِ» للشاعرالحارث المخزومي، إحدى أهم القصائد التي عرفها تاريخ الشعر العربي، تميز شعره بالبساطة، واستخدام اللغه العربية، والتركيب البلاغي، وتنوع النظم والقافية.
والحارث المخزومي هو من أبرز شُعراء الجاهلية، عرف بشاعر الغزل، حيث كان يهوى عائشة بنت طلحة، وكتب أغلب قصائده لها، حيث كان لها مكانة خاصة وكبيرة في قريش، كما أنتشر شعره في الأيام الأخيرة لعمر بن أبي ربيعة، حيث تعلم منه الشعر وكان شعره لا يتعدى حدود الغزل إلى المديح، ولا الهجاء.
وتعتبر قصيدته «رَحَلَ الشَبابُ وَلَيتَهُ لَم يَرحَلِ» من أبرز ما قيل في الشعر العربي، ومن أشهر القصائد، وتحتوي على 24 بيتًا، علاوة على تميز أسلوب وقصائد الحارث المخزومي التي تدور حول رثائه على على مرور الشباب وذهاب الأيام الجميلة، وتُعبّر عن الحزن والأسى، والحب، والزمن، والخسارة.
نص قصيدة « رَحَلَ الشَبابُ وَلَيتَهُ لَم يَرحَلِ»:
رَحَلَ الشَبابُ وَلَيتَهُ لَم يَرحَلِ
وَغَدا لِطيَّةِ ذاهِبٍ مُتَحَمِّلِ
وَغَدا بِلاذمٍ وَغادَرَ بَعدَهُ
شَيباً أَقامَ مَكانَهُ بِالمَنزِلِ
لَيتَ الشَبابَ ثَوى لَدَينا حِقبَةً
قَبلَ المَشيبِ وَلَيتَهُ لَم يَعجِلِ
فَنُصيب مِن لَذّاتِهِ وَنَعيمِهِ
كَالعَهدِ إِذ هوَ في الزَمانِ الأوَّلِ
نُرعي الصِبا أَوطانَهُ وَنُريحَهُ
في السَهلِ في دَمِثٍ أَنيقٍ مُقبِلِ
كَزَمانِنا وَزَمانِهِ فيما مَضى
إِذ نَحنُ في ظِلِّ الشَبابِ المُخضِلِ
وَلَئن مَضى حَدُّ الشَبابِ وَجَدُّهُ
وَبَدَت رَوايعُ مُستَبينٍ أَشكَلِ
ما إِن كَسَبتُ بِهِ لِحيّ سُبَّةً
وَلألفَينَّ بِهِ كَريمَ المأكَلِ
وَلَقَد أَرى في ظِلِّهِ ونَعيمِهِ
نَزِهاً عَن الفَحشاءِ صافي المَنهَلِ
عَفَّ الضَريبَةِ قَد كَرِهتُ فِراقَهُ
إِذ بَعضُ تابِعِهِ لَئيمُ المَدخَلِ
وَلَنِعمَ تَذكِرَةُ الحَليمِ وَثَوبُهُ
ثَوبُ المَشيبِ وَواعِظاً لِلجُهَّلِ
وَلَقَد يَكونُ مَع الشَبابِ إِذا غَدا
غُمراً يَكونُ خِلافَهُ مُتَمَهِّلِ
فيهِ لِباغي اللَهوِ إِن طَلَبَ الصَبى
بَعدَ المَشيبِ ونُهزَةُ المُتَعلِّلِ
بَكَرَت تَلوُمُ فَقُلتُ غَيرَ مُباعِدٍ
فِعلَ المُمازِحِ ضاحِكاً لا تَعجَلي
أَهلُ التَذَلُّلِ والمَوَدَّةِ عِندَنا
يا بِشرُ أَنتِ وَرَبِّ كُلِّ مُهَلِّلِ
لَو كانَ وُدُّكِ نازِراً فَنَزورُهُ
كانَ اليَقينُ بُعَيدَ شَكٍ مُشكِلِ
إِنَّ الَّذي قَسَمَ المَوَدَّةَ فاِعلَمي
حَقّاً عَليكِ بوُدِّنا لَم يَبخَلِ
فاِجزي شَجيّا قَد سَلَبتِ فُؤادَهُ
واِعصي الوُشاةَ بِهِ وَقَولَ العُذَّلِ
راعٍ لِسرِّكِ لَيسَ يَذكُرُ غَيرَهُ
كيما يَرينَكِ حَيثُ كُنتِ بِمَعزِلِ
ما إِن وَشى بِكِ عِندَنا مِن كاشِحٍ
إِلّا يُرَدُّ بِغَيظِهِ لَم يُقبَلِ
حَتّى لَقَد عَلِمَ الوُشاةُ فَأَقصَروا
وَرَأَوا لَديَّ حَديثَهُم في الأَسفَلِ
وَلَقَد نَزَلتِ فَأَجمِلي بِمَحَلَّةٍ
يا بِشرُ قَبلَكِ عِندَنا لَم تُحلَلِ
أَحمَيتِ قاصيَةَ الفُؤَادِ فَصَغوُهُ
شَرَعٌ إِلَيكِ بِوابِلٍ مُتَهَلِّلِ
ما كانَ لَو وَزَنا وَشاءَ مَليكُنا
مِن حُبِّ بِشرَةَ لَو يُقاسُ بِأَفضَلِ