سلطت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية الضوء على الأحداث الأخيرة التي شهدتها سوريا خلال الأيام القليلة الماضية في أعقاب انهيار نظام بشار الأسد، ومغادرة الأخير إلى موسكو، متسائلة عن حجم الأسلحة والمعدات العسكرية التي تركتها روسيا في القواعد العسكرية في سوريا، معتبرة أن هناك أوجه تشابه في حجم الخسائر بالنسبة لروسيا جراء انهيار سوريا السريع، وحجم الخسائر بالنسبة للولايات المتحدة جراء انهيار أفغانستان وسيطرة طالبان على السلطة هناك قبل ثلاث سنوات.
وقالت المجلة الأمريكية - في سياق مقال تحليلي بعنوان "من خسر أسلحة أكثر.. روسيا في سوريا أم الولايات المتحدة في أفغانستان؟" - "إن التطورات الأخيرة في سوريا، بدءا من استيلاء فصائل المعارضة السورية على العاصمة دمشق دون إراقة دماء ومن ثم مغادرة بشار الأسد إلى روسيا، التي تفاجأت بوتيرة الأحداث المتسارعة، مما دفعها للتفاوض على إجلاء قواتها من سوريا، بما يعيد إلى الأذهان انهيار الوضع في أفغانستان قبل سنوات في أعقاب سقوط كابول في أيدي قوات طالبان في أغسطس 2021 في ذروة هجوم عسكري بدأ في مايو من العام نفسه ضد الحكومة الأفغانية".
وأضافت: أنه "في كلتا الحالتين، كان تفكك القوات الحكومية في كل من سوريا وأفغانستان مفاجئا لكل من موسكو بالنسبة لدمشق، وواشنطن بالنسبة لكابول"، لافتة إلى أنه لا توجد معلومات محددة بشأن حجم ترسانة أسلحة الأسد، التي تتكون معظمها من أسلحة سوفيتية وروسية الصنع، والتي سيطرت عليها فصائل المعارضة في سوريا الأسبوع الماضي أو ما بقى منها عقب الضربات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت مخازن الأسلحة والذخيرة التابعة للجيش السوري، بما في ذلك السفن الحربية والطائرات المقاتلة.
ورأت المجلة أن ما يزيد الأمور تعقيدا في سوريا أن القوات الروسية والمرتزقة قد تركوا وراءهم أسلحة إضافية في خضم انسحابهم السريع من مواقعهم الأمامية خارج القواعد الروسية الرئيسية في طرطوس واللاذقية، حيث يجري الآن إجلاء أكثر تنظيما للجنود والمعدات الروسية، لافتة إلى أن روسيا وأمريكا تركتا وراءهما "كنزا ثمينا" من الأسلحة والذخائر في كل من سوريا وأفغانستان، بيد أنها تساءلت عن حجم المعدات العسكرية التي تركتها موسكو وواشنطن في كل من سوريا وأفغانستان.
وتظهر بيانات من معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أنه خلال الفترة من 1950 إلى 1991، شكلت الأسلحة السوفيتية حوالي 94 في المائة من إجمالي واردات سوريا من الأسلحة.
ووفقا للمجلة، فقدت سوريا كميات كبيرة من الأسلحة والمعدات خلال حربي 1967 و1973.. ومع ذلك، فخلال الفترة من 1975 إلى 1991، أعاد السوفييت تجهيز قوات الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، وأرسل الاتحاد السوفييتي إلى سوريا إنذاك 20 قاذفة و250 طائرة مقاتلة و117 مروحية و756 بندقية ذاتية الدفع و2400 مركبة قتالية للمشاة و2550 دبابة و7500 صاروخ مضاد للدبابات على الأقل، وأكثر من 13 ألف صاروخ "أرض-جو جو".
وأعادت إلى الأذهان أنه في بداية الحرب الأهلية السورية في عام 2011، كان لدى القوات الجوية السورية حوالي 700 طائرة بدون طيار وحوالي 5000 دبابة و4000 عربة مدرعة و3400 قطعة مدفعية و2600 قطعة سلاح مضاد للدبابات و600 مركبة استطلاع، موضحة أنه تم تدمير العديد من تلك الأسلحة خلال القتال المكثف ضد معاقل المتمردين، وبعد ذلك ضد تنظيم "داعش".
واستخدم باحثون غربيون أدلة فوتوغرافية ومقاطع فيديو، من مصادر مفتوحة، لتأكيد أن الجيش العربي السوري فقد ما لا يقل عن 3380 دبابة ومدرعة بين عامي 2011 و2020، ولكن أمدت روسيا الجيش السوري بعشرات الطائرات والمروحيات المقاتلة، ومئات الدبابات والصواريخ التكتيكية، وآلاف الصواريخ المضادة للدبابات وأنظمة الدفاع الجوي خلال الصراع، إلا أنه من الواضح أن رغم هذا الكم من التسلح، إلا أنه لم يكن كافيا لضمان بقاء نظام الأسد.
وقامت منظمة "أوريكس"، وهي مراقب للنزاعات مفتوحة المصدر، بتوثيق استيلاء فصائل المعارضة السورية على معدات النظام السوري خلال هجومها السريع الأسبوع الماضي، وشمل ذلك ما لا يقل عن 150 دبابة، وأكثر من 75 قطعة مدفعية، و69 مركبة قتالية للمشاة، و64 قاذفة صواريخ متعددة ومدافع مضادة للطائرات.
ووفقا للتقرير، من غير الواضح عدد الدبابات والمدرعات التي تركها نظام الأسد وراءه، إلا أنه من المحتمل أن تكون آلاف المركبات المدرعة والصواريخ مختلفة المدى في أيدي فصائل المعارضة السورية الآن أو قريبا.. ومع ذلك، ربما تكون الأسلحة المحتمل وقوعها في أيدى فصائل المعارضة قد تكون دمرت جراء قصف الجيش الإسرائيلي لنحو 500 هدف في سوريا، حيث زعمت إسرائيل أنها دمرت 70 إلى 80 في المائة من القدرات العسكرية لنظام الأسد.
ووفقا للجيش الإسرائيلي، فإن ضرباته دمرت معظم مخزونات نظام الأسد من الصواريخ والأسلحة الاستراتيجية الأخرى، بما في ذلك صواريخ "سكود وكروز وأرض-جو"، وطائرات بدون طيار، ومقاتلات حربية، ومروحيات هجومية ودبابات، فضلا عن تدمير عشرات الصواريخ البعيدة المدى المضادة للسفن والسفن الحربية جراء ضربات إسرائيلية استهدفت ميناء البيضاء واللاذقية.. كما استهدف الجيش الإسرائيلي المطارات العسكرية السورية والعديد من المصانع الحربية.
كما أشارت المجلة إلى تعرض أسلحة روسية للسرقة من قبل الجماعات المدعومة من إيران.. وبحسب ما ورد، وصلت أنظمة مثل صواريخ كورنيت المضادة للدبابات إلى لبنان عبر سوريا، لافتة إلى أن روسيا أعلنت رسميا سحب جزء من قواتها العسكرية في سوريا، بما في ذلك الطائرات والسفن البحرية، ويبدو أنها أخلت قواعدها هناك جزئيا، بيد أنها لم تنسحب بعد بشكل كامل من البلاد، وقد لا يزال من الممكن أمام موسكو إعادة التفاوض بشأن الاحتفاظ بقواعدها في اللاذقية وطرطوس.
وبالمقارنة بخسائر الجيش الأمريكي خلال انسحابه من أفغانستان، فإن هيئات الرقابة الحكومية الأمريكية كشفت النقاب عن أن طالبان استولت على أكثر من سبعة مليارات دولار من المعدات الأمريكية بعد سقوط الحكومة الأفغانية المدعومة من الغرب قبل ثلاث سنوات.
وخلص تقرير صادر عن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) في أغسطس 2022 إلى أن الجيش الأمريكي ترك وراءه في أفغانستان مركبات عسكرية بقيمة 4.12 مليار دولار وطائرات عسكرية بقيمة 923.3 مليون دولار بعد الانسحاب الأمريكي.
وأشارت إلى أن 80 طائرة أخرى كانت في مطار كابول في حالة غير صالحة للاستخدام إثر تدميرها بشكل جزئي من قبل القوات الأمريكية المنسحبة، إلا أن طالبان قامت بإصلاح عدد منها منذ توليها السلطة.
وكان الكثير من الأسلحة الأمريكية في أفغانستان مكلفا للغاية بحيث لا يمكن إعادتها إلى أمريكا، فضلا عن افتقارها إلى القيمة والتكنولوجيا العسكرية الكافية لجعل هذا الجهد يستحق العناء، حيث كان من الأرخص تدمير المركبات الأمريكية أو تركها لقوات الأمن الأفغانية.
واختتمت المجلة، مقالها، بالإشارة إلى أن الأرقام الأولية التي تقارن بين كم العتاد العسكري المتروك في أفغانستان وسوريا تخفي فرقا كبيرًا بين الترسانتين العسكريتين المفقودتين (الأمريكية والروسية)، ويمكن للروس استخدام هذه الأسلحة اليوم، بينما لم تترك الولايات المتحدة سوى القليل من أفضل معداتها في أفغانستان.