الثلاثاء 7 يناير 2025

مقالات

الجيل زد بين معارض الكتب وعادات القراءة


  • 5-1-2025 | 10:40

زياد عبدالتواب

طباعة
  • زياد عبدالتواب

نستطيع القول بأن الألفية الثالثة تختلف كثيرا عما سبقها من عصور في اتخاذ البشر لأدوات وأساليب جديدة لأداء الأعمال والأنشطة القديمة والتقليدية وكذا أيضا استحداث الجديد والذي أتاحته التقنيات الحديثة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ومؤخرا في مجال الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة وهي التي تلقى بظلالها على مستقبل الوظائف ومستقبل العلاقة بين الإنسان والآلة ومستقبل قدراته العقلية والإبداعية حال الاعتماد على تلك التقنيات بشكل كبير.

وكلما اقترب موعد انعقاد معرض القاهرة الدولي للكتاب تزداد التساؤلات والتوقعات والترقب لما سيقدمه في هذه الدورة من أنشطة مرتبطة بتلك التقنيات الحديثة سواء في أساليب العرض والتجول في أروقة المعرض أو في أساليب الشراء للكتب الورقية والرقمية والمسموعة وكذا أيضا فيما يتم طرحه من مناقشات في الندوات الثرية التي يتم عقدها، فالحديث يتزايد في تلك الأيام عن الأجيال المختلفة والتصنيف لها بناء على عام الميلاد ومنها بالطبع جيل زد Generation Z أو اختصارا GEN-Z حيث ينتمى إلى هذا الجيل المواليد فى الفترة من عام 1997 إلى 2012، أي من أصبح عمرهم الآن بين 13 إلى 28 عاما وهو الجيل الذى يمكن القول بأن أكبر المنتمين إليه قد ولد بعد وصول شبكة الإنترنت إلى مستوى كبير من النضج والانتشار، ليس هذا فحسب بل تعدى ذلك إلى الفترة التالية لهذا الاستقرار، وهى الفترة التى بدأت وانتشرت ونضجت فيها شبكات التواصل الاجتماعي بتطبيقاتها المختلفة وباتت فى نظر البعض هى كل ما يعرفونه عن شبكة الإنترنت تقريبا. يتميز هذا الجيل أيضا بأن طفولته المبكرة كانت إلكترونية رقمية عبر الشبكات والتطبيقات المختلفة، وهو يختلف عن الجيل السابق له مباشرة –جيل الألفية - والمولود بين أعوام 1981 و1996 الذي يمكن القول بأنه الجيل الأخير قبل سيطرة الشبكات والتطبيقات بالصورة التي نراها اليوم. 

و السؤال عن كيفية القراءة لدى جيل زد الذى تفتحت عينه على الشاشات المختلفة -حواسب وتليفونات ذكية- ووجد الكتاب والصحيفة الورقية في أيدى الكبار والأجيال السابقة له مباشرة، والحقيقة أن الإجابة فى غاية الصعوبة، فهل الأمر مجرد اختلاف فى الوسيط - من ورقى إلى إلكترونى أو رقمى- وإذا كان الأمر كذلك فإن المنطق يقودنا إلى حقيقة أن هذا الجيل يفضل القراءة باستخدام الوسائط الرقمية أكثر من الوسائط التقليدية، وهو للعجب ليس الحقيقة تماما وللتدليل على هذا نجد العديد من الدراسات واستطلاعات الرأي تشير إلى عدم تراجع المطبوعات الورقية بالقدر الذى نتخيله في مقابل الوسائط الرقمية؛ بل على العكس نجد أن بعضا من تلك الدراسات تشير إلى أن هذا الجيل أكثر اهتماما بالقراءة والمعرفة مقارنة بالجيل السابق له، ربما بفعل انتشار مصادر المعرفة وتنوعها ووفرتها مقارنة بالندرة التى كانت حادثة فيما هو قبل أو ربما لأن هذا الجيل تعرض للعديد من الابتكارات والاختراعات والأنماط الجديدة فى جميع مناحى الحياة ما أسهم فى تحفيزه على المزيد من الاطلاع، وربما أيضا نتيجة التسارع الكبير فى تغير وتطور التقنيات المختلفة، وكذا أيضا الأحداث التى تدور من حوله على مستوى البيئة الملاصقة أو على المستوى الإقليمى والعالمى - الدولى- أيضا، أو ربما بسبب تلك العوامل مجتمعة أو بوجود عوامل أخرى قد تتكشف مع مرور الوقت.

من المناسب النظر إلى أدوات العصر وما لها من خصائص مختلفة فى التواصل وتلقى المعلومات والمعارف، وفى التعبير عن النفس أيضا، فالتواصل قبل هذا الجيل كان منظما ومحدودا ومرهقا أيضا، أما التواصل الذى مارسه ويمارسه هذا الجيل فهو تواصل سهل  وسريع بكل الوسائل من كلمة مكتوبة ومقطع صوتى مسموع أو مقطع فيديو مسموع ومرئى، ولا يقتصر التواصل على زمن محدد أو على مكان محدد بل يتم على مدار الساعة، ومع أى طرف فى أى مكان على وجه الأرض بل لا يستلزم التواصل أيضا وجود الطرفين متصلين معا مثلما كان الحال فى السابق بل يمكن أن يكون المتلقى نائما أو منفصلا عن الشبكةOffline ، ومع ذلك تتم عملية الاتصال والتواصل بنجاح ولا يشعر أى من طرفيها بأى غضاضة أو انزعاج.

بالإضافة إلى هذا فإنه ونتيجة تغلغل شبكات التواصل الاجتماعى وانفتاح المستخدمين عليها بات من الطبيعى التواصل بصورة يومية مع عدد كبير جدا من الأصدقاء ربما احتاج جيل الألفية إلى عدة ساعات - أو عدة أيام- للتواصل مع نفس العدد بالفاعلية المطلوبة، وهو وإن كان يزيد من مساحات التواصل وتبادل الآراء والأفكار والمعلومات، فإنه يصيب المستخدمين بحالة من التوتر العقلى وزيادة فى معدلات الانتباه مع قصر زمن الانتباه للأمر الواحد بدرجة كبيرة، وهو ما نلاحظه بسهولة فى إصابة هذا الجيل بالضجر وعدم التركيز فى حالة أن تحدث إليه أحد بالوسائل التقليدية أو قرأ كتابا أو استمع إلى محاضرة أو انخرط في نقاش فكرى أو جدل فلسفى.

يضاف إلى ذلك ما حدث منذ نوفمبر 2022 من ثورة على مستوى العالم كله مرتبطة بالذكاء الاصطناعى التوليدى Generative Artificial Intelligence وما ارتبط به من توليد للأفكار والمعارف والإبداعات أو القيام بإبداء الرأى أو تلخيص المقالات والكتب والدراسات الأكاديمية وهو ما يستخدمه الكثير من أبناء هذا الجيل حاليا سواء بصورة منضبطة أو بإفراط يلقى بظلاله على أخلاقيات البحث العلمى وعلى القدرات العقلية لهذا الجيل من مقارنة وتحليل وصياغة وغيرها من القدرات التي لا يمكن صقلها أو تطويرها من خلال هذا الاعتماد المتزايد. 

مستقبلات الجيل زد للمؤثرات الخارجية

هذا الجيل مختلف تماما في نمط التنشئة والتفاعل مع العالم الخارجى عن الأجيال السابقة له، فالسرعة هى كلمة السر، بالإضافة إلى إمكانية استخدام وسائط متعددة فى التواصل - فى الإرسال والاستقبال- ما يجعل الكلمة المقروءة أقل جاذبية وأكثر إثارة للملل وقلة الاهتمام. لذلك، نجد أن أغلب التركيز من الخبراء يكون حول كيف نغير من عادات هذا الجيل ليعود إلى ما كانت تقوم به الأجيال السابقة من تواصل ومن تلق للمعلومات وخلافه، وهي محاولات باءت بالفشل بخصوص التواصل لا شك في هذا، ومن المنطقي أيضا ألا تكون ناجحة فى إعادة هذا الجيل إلى أنماط القراءة والتعلم السابقة، ليس على مستوى الأداة كما أفردنا من قبل ولكن على مستوى شكل وأسلوب صياغة المعلومة. ولا يمكن أن أتصور أحد أفراد الجيل زد يقرأ كتابا يتكون من 500 صفحة مثلما كان الحال، ولا يمكن لهم متابعة أحداث رواية طويلة أو شرح لأحد الموضوعات العلمية بنفس الصورة والوتيرة التي اعتادها من سبقوه، ولكن يجب التفكير فى أساليب جديدة لإعادة صياغة المعلومات، وكذا أيضا لأساليب جديدة لكتابة الأعمال الأدبية تكون مناسبة لعقلية وذهنية هذا الجيل السريع الذى يميل دائما إلى الدخول فى لب الموضوعات متجاهلا ومنزعجا من المقدمات الطويلة والحشو غير المرغوب فيه أو الإسهاب فى التعريفات والمحسنات البديعية والجمالية، فمحركات البحث متاحة أمامهم طوال الوقت ويستخدمونها كما يتنفسون وكذا تطبيقات الذكاء الاصطناعي المجانية والمدفوعة، وعليه فإن الأسلوب الأمثل هو أسلوب الاختصار الشديد مع استخدام الوسائط المتعددة وإثارة القارئ وحثه على الرجوع إلى العالم الطبيعي للبحث عن أى جزئية يرى أنها خافية عنه وتحتاج إلى توضيح أو إسهاب.

ربما تكون الدفعة الكبرى للانتقال إلى العالم الرقمي فيما يخص معارض الكتب الرقمية الكاملة أو الهجينة ارتبط وتزامن مع ما فرضته جائحة كورونا (كوفيد19) على العالم كله من إغلاق وتباعد اجتماعي وغيرها من الإجراءات الاحترازية فما كان أمام الجميع من سبيل لاستمرار الأنشطة الحيوية إلا باللجوء إلى العالم الرقمي الفسيح، فعلى سبيل المثال نجد أن وزارة الثقافة ممثلة في الهيئة المصرية العامة للكتاب المشرفة على تنفيذ وإدارة معرض القاهرة الدولي للكتاب اطلقت المنصة الرقمية للمعرض في دورته الثانية والخمسين والمنعقدة في الفترة من 30 يونيو إلى 15 يوليو 2021 والتي بدأت من الحجز والدفع الإلكتروني لتذكرة الدخول والبحث في قاعدة البيانات الخاصة بالكتب ودور النشر المشاركة والشراء للكتب بهذه الطريقة وصولا إلى شحن الكتب إلى القارئ وحتى باب منزله هذا بالإضافة إلى عقد الفاعليات بصورة افتراضية وصل عددها إلى 105 فاعليات بالإضافة إلى الجولة الافتراضية ثلاثية الأبعاد 3D في أروقة المعرض.

هذا الأمر استمر في التطور والتحسين منذ تلك الدورة وصولا إلى الدورة الأخيرة -55- والتي عقدت في يناير 2024 حيث أطلق أيضا تطبيق للهواتف الذكية يتيح للزوار العديد من المزايا مثل تصفح دور النشر المشاركة في المعرض، والإصدارات الخاصة بها مع إمكانية حجز تذاكر المعرض وشراء الكتب الرقمية والورقية، بالإضافة إلى العديد من المبادرات الجديدة والتي قدمتها بعض دور النشر فيما يخص الإصدارات الرقمية الحصرية المناسبة أكثر للجيل زد وما بعده من أجيال.

وهذا التوجه الرقمي لا يعنى الانتهاء من الأساليب التقليدية للنشر والقراءة فالإحصائيات في الولايات المتحدة الأمريكية تشير إلى أن حجم المبيعات في سوق الكتب الرقمية وصل إلى 29.5% من إجمالي مبيعات الكتاب ومن المتوقع أن تصل إلى 32% في عام 2032 وهو ما يوضح تضاؤل معدلات النمو في هذا السوق وهذا لا يعنى أن القارئ لهذا النوع من الكتب لا يقرأ الكتب المطبوعة أيضا فالإحصائيات تشير إلى أن 9% فقط من القراء حول العالم يقرأون الكتاب الرقمي فقط، كما أن 48% من قراء الكتب الرقمية تحت سن الـ 35 عاما وهذا معناه أن نصف الشباب-جيل زد- مازال يفضل الأسلوب التقليدي.

أما عن الموجة الجديدة من الاستعانة بالذكاء الاصطناعي في تأليف الكتب وإصدارها وبالرغم من المخاوف المرتبطة بتأثير هذا الأسلوب على القدرات البشرية والإبداع الإنساني بالإضافة إلى القضايا المرتبطة بالملكية الفكرية وحق المؤلف وأن الاستخدام السليم لأدوات الذكاء الاصطناعي يجب أن تبقى كمعاونة للمبدع الأصلي وليست بديلا عنه فإن الإحصائيات تشير إلى أن 47% من الكتاب يستخدمون الذكاء الاصطناعي كأداة لتصحيح الأخطاء الإملائية واللغوية وأن حوالى 29.5% منهم يستخدمونه للمعاونة في توليد الأفكار والشخصيات وأن 14% منهم فقط يستخدمونه لترتيب وإعادة هيكلة الكتاب وترتيبه، أما من يستخدم الذكاء الاصطناعى لتوليد العمل بالكامل فإن نسبتهم لا تزال أقل من 10% ويشوب تلك العملية الكثير من الملاحظات منها غياب الإحساس الإنسانى والأسلوب التشويقى والإحساس بروح الكاتب وإبداعاته الإنسانية وهى قضية أتصور أنها ستستمر مهما تطور الذكاء الاصطناعى وتطورت أدواته فسيظل الإبداع الإنسانى لايمكن الوصول إليه إلا من خلال الإنسان.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة