يعد معرض القاهرة للكتاب الأهم والأقدم في المنطقة العربية والشرق الأوسط، وهو من أكبر المعارض الدولية في العالم، ويصنفه كثيرون على أنه في المركز الثاني بعد معرض فرانكفورت الدولي للكتاب في ألمانيا. ويكفي أن نشير إلى أن المعرض يقام على مساحة 80 ألف متر مربع. ويقام البرنامج الثقافي للمعرض في سبع قاعات، وصالة كاملة لكتب وأنشطة الطفل، وأماكن للفنون الحرة.
ونحن نكاد نلمس حرص الجهات الثقافية والرسمية في مصر على أن تكون القاهرة في صدارة المشهد الثقافي في العالم العربي، خصوصًا وأننا نشهد منافسة كبيرة من قبل عواصم عربية أخرى. هذه المنافسة من شأنها أن ترتقي بصناعة الكتاب وتفرض مستوى من التحديات أمام الناشر المصري للارتقاء بالكتاب شكلًا وموضوعًا. الشاهد أننا لسنا في قلب هذا السباق فقط ولكن على رأس هذا السباق، ولدينا خبرات أكبر؛ لأن مصر عاصمة الثقافة العربية.
إن معرض القاهرة للكتاب له أهمية كبيرة سواء على مستوى الأقدمية ودوره في تكوين وإقامة جسر للثقافة العربية، والتواصل بين المثقفين ودور وصناع النشر في العالم العربي، بالإضافة إلى أهميته في أنه ملتقى للمثقفين والمبدعين للتلاقي والنقاش والحوار.
في تقديرنا أن معرض القاهرة الدولي للكتاب، فرصة للاطلاع على الجديد من إنتاج المطابع العربية والعالمية في هذا الموقع المهم، خاصة أنه يصعب الحصول أحيانًا على بعض الكتب والإصدارات الحديثة عربيًا وعالميًا بدون إقامة مثل هذه المعارض، وهو يعتبر حفلًا ثقافيًا أكثر منه مجرد معرض للقاء بين صناعة النشر والقراء والمثقفين بشكل عام.
من نافلة القول إن المعرض الدولي للكتاب في القاهرة يُقام لعرض وترويج صناعة النشر من كتب ووسائل تعليمية داخل جمهورية مصر العربية والوطن العربي خاصة وجميع أنحاء العالم عامة. كما يتيح معرض القاهرة الدولي للكتاب فرصة التعارف بين أصحاب دور النشر والمؤسسات العارضة؛ ليتم التعاون والتبادل المعرفي بينها. نضيف إلى ذلك أن المعرض يساهم في توسيع شبكة نشر الكتاب العربي والأجنبي، حيث يُسمح لدور النشر المحلية والأجنبية بالاشتراك في معرض الكتاب.
ونحن لا نجاوز الحقيقة حين نقول إن إقامة المعرض هو نجاح للجمهور والمثقف. وفي دورته السادسة والخمسين، تحل سلطنة عمان ضيف شرف على معرض القاهرة الدولي للكتاب. أما شخصية المعرض في دورة عام 2025 فهو الدكتور أحمد مستجير العالم والمفكر الكبير، ونحن نرى أن هذا الاختيار موفق، لما له من رمزية تقدير العلم والعلماء.
ومع كل دورة جديدة للمعرض نتذكر الجهود التي بُذِلت من أجل إقامة هذه الفعاليات الثقافية المهمة؛ إذ يعود تاريخ إقامة أول معرض للكتاب في القاهرة إلى عام 1969. في هذا العام كانت القاهرة تحتفل بعيدها الألفي، فقرر د.ثروت عكاشة وزير الثقافة في ذلك الوقت أن يحتفل بها ثقافيًّا، وأسند إلى الكاتبة والباحثة سهير القلماوي مهمة إقامة أول معرض للكتاب، ليشارك فيه ناشرون من مختلف الدول العربية والأجنبية، ولتكون هذه شرارة انطلاق أكبر وأهم معارض الكتاب في الشرق الأوسط.
لا شك أن إحياء فكرة القراءة والترويج لفكرة الكتاب بين الناس له أثرٌ إيجابي على المدى المتوسط والبعيد، كما أن تدافع الناس على اقتناء الكتب باختلاف توجُّهاتها أمرٌ محمود، أن يصطحب الناس أبناءهم معهم ليس أمرًا سيئًا بل إن له أثرًا نفسيًا إيجابيًا على نظرتهم للكتاب وأهمية القراءة.
في أروقة المعرض، يمكن أن نرى معروضاتٍ مختلفة، بدءًا من الكتب الورقية، والكتب المسموعة، والوسائط المتعددة المتعلقة بالكتب، بالإضافة إلى الكتب الإلكترونية والمواد الرقمية، والصحف، والمجلات، والدوريات، والبرمجيات التي تتعلق بالكتب.
ويمكن لرواد المعرض متابعة الندوات والجلسات والمبادرات الثقافية المختلفة التي يزخر بها المعرض في دوراته المتعاقبة. وفي دورته السادسة والخمسين، يُنتظر أن يقدِّم المعرض برنامجًا ثقافيًا متكاملًا يضم وجبة ثقافية دسمة تشمل مجموعة كبيرة، تتنوع بين الندوات والمحاضرات، وورش العمل، والمؤتمرات، وتتنوع في محاورها بين: التاريخ والأدب، والذكاء الاصطناعي والصناعات الإبداعية، والدراما المصرية، والكتابة بكل فنونها، والإعلام، والشباب، والمرأة، والطفل، والعلاقات المصرية الثقافية والنشر. كما يركز البرنامج الثقافي هذا العام على عدد من المحاور وهي: الدراما المصرية، مصر بين التاريخ وبين الأدب، الذكاء الاصطناعي والمحتويات الإبداعية الصناعية، وجوائز ومبدعون، العلاقات المصرية الثقافية، ولقاءات مع شخصيات بارزة.
ومن المأمول وجود جناحٍ للكتب المخفضة تابع للهيئة العامة للكتاب في أروقة معرض القاهرة الدولي للكتاب، حيث يوفّر هذا الجناح بين معروضاته كتبًا في شتى المجالات العلمية والفنية والأدبية وشتى العلوم الإنسانية والعلمية والأكاديمية بأسعار مخفضة، فضلًا عن الخصومات الكبيرة التي تقدمها الهيئة على إصداراتها الكبيرة على جميع الموسوعات والتي منها موسوعة الأغاني، بالإضافة إلى إتاحة إصدارات مكتبة الأسرة.
وإذا كان كثيرون قد أبدوا تحفظهم قبل بضعة أعوام بشأن نقل المعرض إلى مركز مصر للمعارض والمؤتمرات الدولية في التجمع الخامس، نظرًا لبُعد المسافة وصعوبة الوصول إلى هذا الموقع الجديد، فإن ما خفف من حجم المشكلة هو الجهد الكبير لتسيير وسائل نقل عامة إلى مقر المعرض. صحيح أن ثمة حالة من الارتباك في الحافلات العامة، وبعض السائقين لم يكن يعرف حتى خط السير في الخطوط الرئيسية للانتقال بين المعرض والوجهات المحددة، لكن في نهاية الأمر، يتمكن المواطنون من بلوغ المعرض والعودة منه بسهولة ويسر.
من جهة دخول المعرض، فأكاد أقول إن الإجراءات قد تكون مشددة في اليوم الأول في ظل التزاحم والإقبال الكبير على المعرض، مما قد يزيد من طول الطوابير وشكوى البعض من إرهاق الإجراءات، لكن سرعان ما يتم تدارك الأمر وفتح جميع المنافذ والمداخل، وحل مشكلة الطوابير. وربما نقترح على القائمين على المعرض تخصيص مداخل أو طوابير خاصة للمرضى وكبار السن والسيدات، حرصًا على راحتهم وسلامتهم.
للحق والإنصاف، وجدنا في الأعوام الأخيرة المعرض من الداخل أكثر تنظيمًا وتنسيقًا على المستوى الحضاري من دورات سابقة؛ إذ اتسمت أجنحة دور النشر بحسن التنظيم وجودة الإضاءة، والانضباط بشكل عام، مما كان له أثرٌ طيب في نفوس العارضين ورواد المعرض بشكل عام. إن قاعات المعرض وصالاته وتنسيقه جميعًا تتسق وتتفق مع الروح التي يذهب بها هؤلاء الزائرون إلى الكتب لمعرفة الجديد واقتناء ما فاتهم من القديم.
وربما يطول الحديث عن النشاط الثقافي والجلسات النقاشية وحفلات التوقيع وكُتب وكتاب ضمن أنشطة القائمين على المعرض، فهذه الأنشطة رغم إيجابيتها ظلت تعاني السقوط في دوائر من الاختيارات لا تكاد تغادرها، مع انتشار أسماء بعينها واستبعاد وتهميش مؤلفين ومبدعين كبار بل عدم دعوتهم من الأساس، في ظل هيمنة شبكات معينة من الأسماء الثقافية على هذه الأنشطة والفعاليات.
هناك بالطبع ملاحظات على ارتفاع أسعار الأطعمة والمشروبات داخل المعرض، الأمر الذي يتجاوز ميزانية الأسرة المتوسطة في معظم الأحوال، لكن ما يستوقفك في الداخل هو أننا نظل في حاجة إلى مكاتب استقبال واستعلامات وخدمات إلكترونية تتيح للزوار التعرف على خريطة كل صالة من صالات المعرض، والوصول إلى جهة النشر والجناح الذي يوجد به كتاب معين أو أعمال مؤلف يودون اقتناء أعماله. ليس من الطبيعي أن يعاني الزائر من صعوبات البحث عن كتاب أو دار نشر أو أعمال مؤلف معين.
كما يتعيّن العمل على اجتذاب دور النشر العالمية الكبرى الغائبة عن معرض القاهرة للكتاب.
إن هذا أمرٌ مهم ومطلوب ليكون المعرض دوليًا وليس عربيًا فقط. كما أن الكتب العلمية الحقيقية ودور النشر العلمية بكل أشكالها غائبة، فلا إصدارات أكسفورد ولا كامبريدج ولاworld scientific ولا Wiley ،Springer ، ولا Dover للإصدارات العلمية زهيدة الثمن وفي متناول عامة الناس، والتي من المفترض أن توفر الكتاب العلمي للطلبة والأساتذة الجامعيين والباحثين بأثمان معقولة.
علينا أن ندرس بعناية الملاحظات المذكورة أعلاه لكي نعظم من الإيجابيات ونتجنب السلبيات، من أجل وضع معرض القاهرة الدولي للكتاب في مكانه المناسب ومكانته اللائقة في الدورات المقبلة.