يتساءل البعض عن دور القراءة في حياة الأبناء مدعين أن الكتاب الورقي أصبح غريبًا في عصر التطور التكنولوجي والغزو الاصطناعي. فهل للقراءة دور في تعديل سلوك الطفل؟ وهل للمعارض هي الأخرى دور في اصطحاب أبنائنا إلى عالم الكتاب الورقي وزيادة الوعي الثقافي؟.
أقولها نعم، تقوم القراءة بالفعل في كل المجتمعات بدور فاعل وحقيقي في نشر الثقافة، بل أصبحت هي المؤشرالذي يمكن من خلاله النفاذ إلى عمق المجتمع والإحاطة بطبيعة اهتماماته ومدى تحقق التنمية والتقدم فيه.
فعلى المستويين الفردي والمجتمعي صارت القراءة تستخدم كوسيلة علاج فعال تحت إشراف متخصصين يطلق عليها العلاج بالقراءة كما هو العلاج بكل أشكال الفنون؛ بل إنها من أهم المهارات التي تركز عليها النظم الحديثة في التعلم، وهذا ما جعل المجتمعات العربية مؤخرا تكثف الاهتمام حول القراءة بمزيد من المسابقات والجوائز للكبير والصغير، خاصة بعد غزو التكنولوجيا وإغراءاتها.
فمن الوسائل التي تشجع الإقبال على القراءة وزيادة الوعي في البلدان معارض الكتاب المحلية والدولية على حدٍ سواء؛ لأن مهمتها ليست فقط التسويق والترويج التجاري لدور النشر ومنصات التواصل. فالمعارض -كما هو الحال في معرض القاهرة الدولي للكتاب- عامرة بالورش التفاعلية مع الأطفال التي تقيمها كل الأجنحة والدور المخصصة لنشر كتب الأطفال سواء أكانت دوراً خاصة أم حكومية كتلك التي تشرف عليها وزارة الثقافة والأزهرالشريف والأوقاف والمركز القومي لثقافة الطفل وغيرها.
تلك الورش التي يتسابق عليها أولياء الأمور ويبحثون عنها في جناح الطفل المخصص كي يدفعوا بأبنائهم إليها للمشاركة والمتعة المعرفية كوسيلة جذب ثقافي. تشمل تلك الأنشطة ندوات حوارية تجمع الأطفال بأشهر الكُتاب في حفلات توقيع إصداراتهم، كما تتضمن ورش التلوين والرسم والتدوير والأشغال اليدوية وورش الحكي عالم من السحر والمغامرات يسعى إليه الطفل في المعرض يختلف تماما عن عالم المدرسة الذي ينحصر فيه الطفل فكريا ووجدانيا.
فعلى سبيل المثال فإن الكثير من الأطفال لا يعرفون بأنهم موهوبون ولديهم ملكة الكتابة الإبداعية إلا بالاحتكاك المباشر في ورش الحكي مع المؤلفين أو من خلال الاطلاع وقراءة القصص.
لذا على الأباء محاولة جذب أبنائهم نحو عالم الكتاب السحري باصطحابهم إلى المعارض بشكل دوري للاطلاع والإلمام بهذا المناخ الثقافي، فهي نصيحة الخبراء النفسيين والتربويين الدائمة لكل الأباء والأمهات بضرورة اصطحاب أبنائهم إلى الورش التفاعلية داخل المعارض وإتاحة الفرصة لهم للتعرف على الإصدارات الموجهة إليهم، كل طفل حسب ما يتناسب مع مرحلته العمرية. فمعرض القاهرة الدولي للكتاب فرصة مهمة لكل طفل يقضي إجازة نصف العام في جو من الرفاهية والمتعة المعرفية وممارسة الهوايات الفنية بعيدا عن الوسائل الرقمية التي تلتهم أوقاتهم وتعزلهم عن المشاركة والتفاعل الإيجابي مع واقعهم الحيوي.
كما أنها توفر لهم المتعة والاسترخاء العقلي والنفسي، وتمدهم بالمزيد من المفردات الجديدة على مسامعهم والإلمام بحصيلة لغوية جديدة.
وتؤكد الدراسات التربوية أيضا أن القراءة تساهم في زيادة معدل ذكاء الطفل وتمنحه المزيد من المعلومات والخبرات المسؤولة عن تنمية مهارات التفكير لديه، وتنمية شعوره بالتعاطف عند الاندماج مع الأبطال وشخصيات القصة التي يقرأها. وزيارة الطفل لمعرض الكتاب توفر له فرصة الاطلاع على الكتب المتنوعة التي تشبع شغفه فيسعى لاقتنائها. في الوقت الذي قد يصعب على الطفل معرفة الإصدارات التي تنتج من أجله وتشبع شغفه وتجيب على تساؤلاته فإن معرض الكتاب يوفر له تلك الفرصة بيسر.