حين يمتلئ القلب بالحيرة والتشتت، تأتي اليد الحانية المضيئة بنور السلام والمحبة تسحبك من أغوار الظلام والجهل، لترتسم الطمأنينة في قلوب التائهين، فهو ليس مجرد اسم يذكر بل صوت حكيم وحاني ينجيك من رياح الفتن والضلال إنه إمام السلام أحمد الطيب رمز الحكمة والمبدأ والقلب الرحيم، الذي يجمع بين عمق المعرفة والإنسانية، وداعية السلام الذي ينادي بقيم التسامح والمحبة، رجل امتدت جذور الطيبة والكرامة لقلبه ليحني بروحه السمحة على القلوب المستنزفة والمجروحة النازفة التي عانت من أهوال الحروب والفتن، ظل ينهل وينهج في دروساً من القيم والأخلاق التي تتناقلها الأجيال، وتعلّمنا كيف يكون الفكر العميق مشعلاً، وكيف يكون التسامح درباً نحو الوحدة، وكيف تكون القيادة أخلاقاً قبل أن تكون أدواراً.
في مثل هذا اليوم الاثنين، السادس من يناير، أكمل فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد محمد أحمد الطيب الحساني، شيخ الأزهر الشَّريفِ عامه الـ79، ولد فضيلة الإمام في منطقة دشنا بمحافظة قنا عام 1946، وينتمى لأسرة صوفية عريقة ونَسَبٍ هاشِميٍّ عَلَوِيٍّ شريف.
نشأ الطيب في بيتِ عِلمٍ وصلاحٍ، في كنف والده، وحفظ القرآن الكريم في صغره، وقرأ المتون العلمية على الطريقة الأزهرية، حيث حَرِصَ منذُ صِغَرِه على حُضورِ مجالسِ العلماء والصالحين، وتعلُّمُ أصولَ التربيةِ والسلوكِ والحكمةِ.
التحق بالمعاهد الأزهرية ثم كلية أصول الدين بجامعة الأزهر، حيث تفوق في دراسته، ثم تخصص بقسم العقيدةِ والفلسفةِ بكليةِ أصولِ الدينِ بالقاهرةِ، حتى تخرَّجَ فيها بتفوقٍ عامَ 1969م، ومن ثم حصل على شهادة الماجستير عام 1971، وبالتالي درجة الدكتوراه عام 1977.
وأمضى فترة علمية في جامعة باريس، مما جعله يجيد الفرنسية بطلاقة، كما كان يعرف الإنجليزية من دراستها في المرحلة الثانوية الأزهرية "1960، 1965" والكلية، وترجم عددًا من المراجع الفرنسية إلى اللغة العربية.
تدرج في المناصب الأكاديمية، من أستاذ للعقيدة والفلسفة إلى عميد لكليات الدراسات الإسلامية في قنا وأسوان، حتى شغل منصب رئيس جامعة الأزهر في 2003م، حتى تولى مشيخة الأزهر الشريف في 19 مارس 2010.
منذ توليه مشيخة الأزهر، بذل جهودًا واضحة حيث جعل الأزهر منارة علمية وثقافية تخدم أكثر من 110 دول، كما أسس "مركز تطوير تعليم الطلاب الوافدين" لخدمة آلاف الطلاب الأجانب، وأطلق مبادرات لإنشاء معاهد أزهرية في إفريقيا، وترأس مؤتمرات دولية كبرى ناقشت قضايا السلم والعدالة، مثل مؤتمر "الأزهر العالمي لنصرة القدس"، و"مؤتمر التجديد في الفكر الإسلامي".
كما وقع الإمام الطيب "وثيقة الأخوة الإنسانية" في 2019م، بالتعاون مع بابا الفاتيكان، والتي تعتبر من أبرز الوثائق الداعية إلى التعايش والسلام بين الأديان، كما قاد أكثر من 34 جولة دولية شملت 21 دولة، والتقى بزعماء وقادة عالميين، لتوضيح رسالة الإسلام الوسطي.
فضلا عن تقلده العديد من الأوسمة والتكريمات العالمية، كما اُختير على رأس قائمة أكثر خمسمائة شخصية مسلمة تأثيرًا في العالم لعامي 2016 و 2017 على التوالي، وذلك في التصنيف الذي يصدره مركز الدراسات الاستراتيجية الملكي الإسلامي في عمان بالأردن.
لم تقتصر إنجازاته على ذلك بل امتدت ليؤلف زخم كبير شمل مؤلفات في العقيدة والفلسفة مثل "مقومات الإسلام" و"مدخل لدراسة المنطق القديم"، وله أيضًا ترجمات بارزة من الفرنسية، مثل "مؤلفات ابن عربي تاريخها وتصنيفها"، إلى جانب أبحاث منشورة في مجلات علمية، تناولت قضايا الفكر الإسلامي والجدل الفلسفي.
وهب الإمام الطيب حياته لنشر ثقافة التعايش والسلام والاندماج الإيجابي والأخُوة الإنسانية، حيث لازال مدافعًا عن قضايا الأمة الإسلامية ومواقفها الثابتة، وهو ما جعله يحظى بمكانة رفيعة في العالم العربي والإسلامي وعلى الساحة الدولية.