شخصية استثنائية في عالم الأدب التشيكي والعالمي، وكان كاتبا مسرحيا وروائيا تشيكوسلوفاكيا، ويعد من رواد الأدب التشيكي الحديث، وتنوعت أعماله الأدبية بين الأدب الواقعي والنقد الاجتماعي والخيال العلمي، وكان أول من أدخل كلمة «روبوت» أي الإنسان الآلي إلى اللغة الحديثة العصرية، من خلال مسرحيته الشهيرة «إنسان روسوم الآلي» عام 1921م، وهو شقيق الرسام والكاتب التشيكي جوزيف تشابيك الذي تعاون معه في بعض مؤلفاته إنه الأديب كارل تشابيك.
و لم يقتصر كارك تشابيك على المؤلفات، فقط على الأدب، بل أسهم بإبداعاته في مواضيع فلسفية واجتماعية وسياسية جعلت كتاباته مرآةً لزمنه، كانت أفكاره دائمًا تسبق عصره، خاصة في انتقاده للتقدم التكنولوجي غير المنضبط والجشع البشر.
الميلاد والنشأة
ولد كاريل تشابيك في 9 يناير عام 1890 في قرية ماليه سفاتونوفيس في بوهيميا، في جمهورية التشيك، انتقلت عائلته ت بعد ستة أشهر من ولادته إلى منزلهم الخاص في «أوبيتس»، عمل والد «كارل»، أنتونين تشابيك، طبيبًا في مصنع منسوجات محلي، كان شخصًا نشطًا جدًا، وإلى جانب عمله في الطب، شارك أيضًا في تمويل المتحف المحلي وكان عضوًا في مجلس البلدة، وعارض «كارل» وجهات نظر والده المادية والموضوعية إلا أنه أحبه والده وأُعجب به، ووصفه لاحقًا بأنه «مثال يُحتذى به».
كانت والدة «كارل»، بوزينا تشابكوفا، ربة منزل، ولم تكن تحب الحياة في البلاد، وعانت من الاكتئاب على المدى الطويل، لكنها دأبت على جمع الفنون الشعبية المحلية وتسجيلها، كالأساطير والأغاني والقصص، وكان «كارل» هو الأصغر بين ثلاثة أشقاء، وكانت علاقته بأخيه جوزيف وثيقة، وهو رسام ناجح للغاية، وعاشا وعملا معًا طيلة سنوات شبابهما، وكانت شقيقته «هيلينا» عازفة بيانو موهوبة وأصبحت لاحقًا كاتبة ونشرت العديد من المذكرات عن أخويها «كارل وجوزيف».
التعليم والدراسة
أنهى «كارل» دراسته الابتدائية في أوبيتس، ثم انتقل مع جدته إلى مدينة هرادتس كرالوفه، حيث التحق بالمدرسة الثانوية، بعد ذلك بعامين، طُرد من المدرسة لمشاركته في نادي طلاب غير قانوني، وصف تشابيك النادي لاحقًا بأنه «مجتمع أناركي غير إجرامي» بعد هذه الحادثة، انتقل إلى برنو مع شقيقته وحاول إنهاء دراسته الثانوية هناك، ولكنه انتقل مجددًا بعد عامين إلى براغ، حيث أنهى دراسته الثانوية في مدرسة القواعد الأكاديمية في عام 1909م.
وخلال سنوات مراهقة «كارل»، وأصبح مغرمًا بالفنون البصرية، وخاصة المدرسة التكعيبية، التي أثرت على كتاباته في وقت لاحق. بعد تخرجه من المدرسة الثانوية، درس الفلسفة والجماليات في براغ في جامعة كارلوفا، لكنه أمضى بعض الوقت في جامعة هومبولت في برلين وجامعة السوربون في باريس، وكان طالبًا جامعيًا، كتب بعض المؤلفات عن الفن المعاصر والأدب، وتخرج بدرجة الدكتوراه الفلسفة في عام 1915م.
الحرب العالمية الأولى وما بين الحربين العالميتين
تم إعفاء كارل تشابيك من الخدمة العسكرية بسبب المشاكل التي عانى منها في عموده الفقري ولازمته طيلة حياته، لكنه راقب الحرب العالمية الأولى من براغ، تأثرت آراؤه السياسية بشدة بالحرب، وكصحفي ناشئ بدأ يكتب عن مواضيع متعددة كالقومية والشمولية والاستهلاكية، من خلال الأوساط الاجتماعية،
أقام«كارل» علاقات وثيقة مع العديد من القادة السياسيين في الدولة التشيكوسلوفاكية الناشئة، ومنهم «توماس غاريك ماساريك»، الوطني، وأول رئيس لتشيكوسلوفاكيا، وابنه «جان ماساريك»، الذي أصبح لاحقًا وزير الخارجية.
واعتاد «توماس ماساريك» أن يكون ضيفًا في حفلات «رجال الجمعة» التي أقامها كارل تشابيك في الحدائق لكبار المفكرين التشيكيين، كان الأخير عضوًا في شبكة هراد السياسية التابعة للرئيس الوطني، وأصبحت محادثاتهم المتكررة حول العديد من المواضيع أساس كتاب محادثات «تشابيك» مع توماس غاريك ماساريك».
البداية صحفيًا
بدأ «تشابيك» مسيرته المهنية في الكتابة صحفيًا، عمل مع شقيقه جوزيف محررًا للصحيفة التشيكية نارودني ليستي «الصحيفة الوطنية» من أكتوبر 1917 إلى أبريل 1921، بعد مغادرته، انضم هو وجوزيف إلى العاملين في صحيفة ليدوفي نوفيني «صحيفة الشعب» في إبريل 1921.
تمثلت محاولات «تشابيك» الأولى في كتابة الخيال بقصص قصيرة ومسرحيات كتب معظمها مع أخيه «جوزيف»، وكانت مسرحية «إنسان روسوم الآلي» أول نجاح دولي حققه «تشابيك»، وهو نص مسرحي دستوبي يدور حول يوم سيء في مصنع مأهول بالروبوتات التي تمتلك القدرة على الشعور، و تُرجمت المسرحية إلى الإنجليزية في عام 1922، وكانت تقدم وتعرضفي المملكة المتحدة وأمريكا مع حلول عام 1923م.
«تشابيك» مناهضًا صريحًا للفاشية
عمل «تشابيك» في العديد من أنواع الكتابة طوال عشرينيات القرن العشرين، وأنتج مؤلفات خيالية وغير خيالية، لكنه اتخذ من الصحافة عملًا أساسيًا، في ثلاثينيات القرن العشرين، ركز عمل «تشابيك» على تهديد الدكتاتوريات القومية الاشتراكية والفاشية الوحشية، وبحلول منتصف الثلاثينات، أصبح منذ ثلاثينيات القرن العشرين وما يليها، أصبح «تشابيك» مناهضًا صريحًا للفاشية والجيش وانتقما وصفه بالـ«لاعقلانية»، انضم إلى نادي القلم الدولي، وأسس نادي القلم التشيكوسلوفاكي وكان أول رئيس له.
الحياة العائلية
تزوج كارل تشابيك في عام 1935 بالممثلة «أولغا شاينفلوغوفا» ، بعد فترة طويلة من التعارف في عام 1938، أصبح بعد ذلك أن الحلفاء الغربيين، خاصة فرنسا والمملكة المتحدة، لن يتمكنوا من الوفاء باتفاقيات معاهدة ما قبل الحرب، ورفضوا الدفاع عن تشيكوسلوفاكيا ضد ألمانيا النازية، على الرغم من تلقي «تشابيك» عرضًا بالذهاب إلى المنفى في إنجلترا، رفض مغادرة بلده ، على الرغم من أن شرطة غيستابو النازية أطلقت عليه لقب «عدو الشعب الثاني».
مؤلفات كارل تشابيك
كانت أكثر السنوات إنتاجًا للأديب والروائي كارل تشابيك الفترة، أثناء عهد الجمهورية التشيكوسلوفاكية الأولى «1918: 1938»، وتتناول كتاباته مواضيع متنوعة، وعُرفت أمؤلفاته بوصفها الدقيق للواقع، وناقشت المسائل الأخلاقية في الاختراعات الصناعية وعواقبها المتوقعة في النصف الأول من القرن العشرين، مثل الإنتاج الآلي والأسلحة النووية والكائنات الاصطناعية الذكية مثل الروبوتات.
وكان «تشابيك» من رواد ما عرف لاحقًا بالخيال العلمي، قبل أن يحظى هذا الصنف الأدبي بالاعتراف الواسع بصفته أدبا مستقلا، وأعرب عن خشيته من الكوارث الاجتماعية والدكتاتورية والعنف والغباء البشري والسلطة غير المحدودة للشركات والجشع. حاول تشابيك إيجاد الأمل وسبيل الهروب.
وكان «تشابيك» أول من أدخل كلمة «روبوت» أي الإنسان الآلي إلى في اللغة العصرية، بعد أن استخدمها في مسرحيته «إنسان روسوم الآلي» التي ألفها عام 1921 وانتقد فيها التقدم العلمي والنفاق الاجتماعي، وتدور حول رجال آليين يسيطرون على العالم، أطلق عليهم اسم «روبوت» المأخوذ من كلمة تشيكية تعني العبيد.
وفي مسرحيته الكوميدية المسماة« ملهاة الحشرات»، التي ألفها عام 1922 فإنه كان يستخدم سلوك الحشرات للسخرية من المجتمع البشري، وفي مسرحية «سر ماكروبولس» 1922، كتب عن امرأة تخيل أنها تعيش إلى الأبد فوجدت الحياة كئيبة لاتطاق.
أشهر الروايات.. حرب السمندل
وتتناول روايته «كراكاتيت» المستوحاة من انفجار وقع في مصنع للذخيرة البعد الأخلاقي في تطور المتفجرات والسلاح وتعتبر رؤية في ضوء اختراع القنبلة الذرية لاحقا، وفيها عالج«تشابيك» أيضا أزمة عاطفية ألمت به، أما أهم وأشهر روايات تشابيك على الإطلاق فهي «حرب السمندل» التي صدرت عام 1936.
وأثر «تشابيك» على الأدب التشيكي الحديث، و على تطوير اللغة التشيكية المكتوبة، ويعد «تشابيك» إلى جانب معاصرين مثل «ياروسلاف هاشيك»، جزءًا مهما من عملية إحياء اللغة التشيكية المكتوبة في القرن العشرين وذلك بفضل قرارهم المتمثل باستخدام اللغة المحكية.
كتب كليما: «بفضل تشابيك، تطورت اللغة التشيكية المكتوبة لتصبح أقرب إلى اللغة التي يتحدث الناس بها فعلًا.» وعمل «تشابيك» ترجمًا أيضًا، وكانت ترجماته للشعر الفرنسي إلى اللغة التشيكية مصدر إلهام لجيل جديد من الشعراء التشيكيين.
تشتمل كتب ومسرحيات «تشابيك» الأخرى على القصص البوليسية والروايات والحكايات الخيالية والمسرحيات، حتى أنه ألف كتاب عن «البستنة»، تحاول مؤلفاته الأكثر أهمية حل مشاكل نظرية المعرفة، والتي من شأنها الإجابة على سؤال «ما هي المعرفة؟» من الأمثلة على ذلك «حكايات من هذا وذاك الجيب»، والكتاب الأول من ثلاثية روايات هوردوبال» والشهاب» وحياة عادية
و شارك «تشابيك» في تأليف ليبريتو مع شقيقه جوزيف لأوبرا لعبة الحب المصيرية للمؤلف الموسيقي زدينك فولبريشت في عام 1922.
ترجمات إلى العربية
ترجمت مؤلفات «تشابيك» إلى العربية ومنها.. حكايات بين جعبة وأخرى - ترجمة برهان قلق، منشورات المتوسط، ميلانو، 2015م، ومسرحية إنسان روسوم الآلي، ترجمة طه محمود طه (1929 - 16 أبريل 2002) اعتماداً على الترجمة الإنجليزية، صدرت في يناير 1983 م تحت عنوان «إنسان روسوم الآلي (ا.ر.ا)» ضمن سلسلة «المسرح العالمي» الصادرة عن وزارة الإعلام الكويتية.
ترجمة خالد البلتاجي، منشورات ويلز، بيروت، 2016، كراكاتيت «رواية» - ترجمة غياث الموصلي، الكتب خان، القاهرة،
الوباء الأبيض «مسرحية»، ترجمة محمود سالم حسين، دار الحصاد، دمشق،2021م
المرض والوفاة
أُصيب «تشابيك» بنزلة برد أثناء إصلاحه لأضرار الفيضانات التي لحقت بمنزل أسرته الصيفي في ستارا هوت، عانى طيلة حياته من الالتهاب الفقاري المفصلي اللاصق وكان مدخنًا شرهًا، ورحل عن عالمنا كارل تشابيك بسبب الالتهاب الرئوي في 25 ديسمبر 1938م.
ولم يكن «الغيستابو» لم يكن على علم بوفاة كارل تشابيك، وبعد عدة أشهر، أي بعد الغزو الألماني لتشيكوسلوفاكيا مباشرة، ذهب عملاء نازيون إلى منزل عائلة «تشابيك» في براغ لإلقاء القبض عليه، بعد أن اكتشفوا أنه توفي منذ فترة، اعتقلوا زوجته«أولغا شاينفلوغوفا»، واستجوبوها.
واعتُقل شقيق الأديب «تشابيك»، جوزيف في سبتمبر وتوفي في معسكر اعتقال بيرغن بيلسن في أبريل 1945، دُفن كارل تشابيك، وزوجته في مقبرة فيشهراد في براغ، نُقش على القبر عبارة «كان من الممكن أن يُدفن جوزيف تشابيك هنا، الرسام والشاعر.. القبر بعيد».