حلمي النمنم يكتب: الصاروخ الكاذب لماذا يستهدف «أهل الشر» أسوان؟
الكاتب الصحفي حلمي النمنم
نجحت وزارة الداخلية في كشف حقيقة «صاوخ أسوان» الذي زعم أحدهم عبر مواقع التواصل أنه سقط في إحدى قرى محافظة أسوان، وبسرعة تم تناقل ذلك المشهد وضجت مواقع التواصل به، سواء في مصر أو خارجها، وأحدث هلعا حقيقيا لدى كثيرين داخل مصر وخارجها، وزارة الداخلية أمكن لها على الفور التيقن من أن ما نشر محض كذب. فلم يسقط هذا الصاروخ في أي مكان بجمهورية مصر العربية، لا أسوان ولا غيرها ... لا قدر الله لو حدث شيء من ذلك التابعه العالم كله. وسائل الإعلام العالمية والمحلية. تتابع بدقة ما يجرى في مصر. وخير مثل هذا في بلد مهم وضخم مثل مصر. ما كان ممكنا أن يمر في صمت إلى أن يكشفه ويعلن عنه أحد رواد مواقع التواصل بالأحرى مواقع الكذب الاجتماعي.
الخطوة الثانية أن وزارة الداخلية أمكنها الوصول إلى صاحب ذلك الفيديو، هو فنى هواتف محمولة، يقيم فى محافظة القليوبية واستجوبته الوزارة، فأجاب بأن الفيلم لصاروخ سقط في إحدى الدول العربية، وأنه قام بنشره وزعم أنه في أسوان كي ينال أكبر عدد من المشاهدات ويحقق عائدا ماديا ضخمًا، إلى هنا تنتهى شهادة ذلك الشاب.. الخطوة الثالثة أن الوزارة نشرت بيانا بكل ذلك، بما أعاد الطمأنينة للقلقين، ونفت وسائل الإعلام المصرية والعربية ذلك الزعم، وتيقن الجميع من أن ما نشر حول الصاروخ كاذب تماما.
إلى هنا انتهى دور الداخلية بالنسبة للمواطن في هذه الحالة وقد يكون كلام «الفنى» صحيدًا من أنه قصد تحقيق أعلى معدل من الانتشار وحصد مكسب مادى كبير، وقد لا يكون صادقا، بالتأكيد لن يقول لرجال الأمن غير ذلك.. وسوف نفترض أنه «صادق»، لكن نشر الفيديو على هذا النحو ومدى القلق الذي أحدثه يجعلنا نتوقف أمام عدة نقاط، أولها : لماذا أسوان بالذات، كان يمكن لذلك «الفني» أن يزعم أنه فى سيناء ويكون أقرب للتصديق أو على الحدود الغربية أو يذكر بعض المناطق التي شهدت حروبا أو مواجهات عسكرية من قبل في تاريخنا الحديث من الوارد أن يكون بها بقايا أسلحة مدمرة وجميعها ليس من بينها أسوان.. لأسباب كثيرة.. كانت أسوان بعيدة عن أي مواجهة أو عمل عسكري.
اختيار أسوان لتكون موضعا لإطلاق تلك الأكذوبة الصارخة حتى لو حدث ذلك بحسن نية، وإن كان الكذب كله مدانا، ليس فيه حسن أو سوء نية، الكذب هو الكذب، ونتائج الكذب هي هي، بغض النظر عن القصد والنية.
أسوان مع الأقصر هي مقر السياحة الشتوية فنادقها تكون مشغولة بالتمام والكمال فى الشتاء، وفى يناير تحديدا، ثم يأتي ذلك الكذوب ليطلق تلك الفرية، هذا يعنى أنه لو لم تتحرك «الداخلية بسرعة، فإننا نخسر موسما سياحيا ضخمًا، في لحظة الذروة. باختصار صناعة كاملة يتعيش منها آلاف العاملين ومئات المنشآت كل ذلك لأن الفتى يريد الحصول على «لايكات»، وإذا تعلق الأمر بالسياحة فقط فيمكن تدارك ذلك، لكن أسوان ليست السياحة الشتوية فقط، وهي كذلك مقر خزان أسوان منذ سنة 1902 ثم السد العالى، خزان مصر المائى، وفي عز حرب الاستنزاف وقبل أن نقيم حائط الصواريخ، كان الطيران الإسرائيلي يمكن أن يغير على بعض المدن والمواقع المدنية كما حدث في بحر البقر وأبوزعبل، لكن لقوة الدفاعات الحصينة حول السد لم يتمكن من الاقتراب من أسوان، وهذا الملف، أقصد تأمين السد العالى مفخرة حقيقية للدولة المصرية وللقوات المسلحة تحديدا، هناك من هدد بضرب السد، كوسيلة للضغط على مصر، فعل ذلك ليبرمان» حين كان وزير خارجية إسرائيل، وعلى الفور أدانت مصر ذلك التهديد وأعلنت أنه ممنوع من دخول مصر، فكان أن فقد منصبه الوزاري وتوقف مساره الدبلوماسي إلى اليوم.. وحين يأتي اليوم، ويزعم ذلك الكاذب أن صاروخا سقط فى محيط السد العالى، فهذه سابقة خطيرة.. حين فزع الرأى العام فى مصر وخارجها من تلك الأكذوبة لم يصدر الفزع من فراغ، لكن لأن الجميع يعلم أن هذه منطقة مؤمنة تماما، وقد لا يتذكر الكثيرون من أطلقت عليه الصحافة سنة 2007 الجاسوس النووى»، شاب كان يعمل في هيئة الطاقة الذرية وأدين بالتجسس لصالح إسرائيل، وضبطت بحوزته وثائق مهمة، من حسن الحظ أن الجهاز المعنى فى مصر كان يتابعه من اللحظة الأولى ومعه كل الأدلة في اعترافاته أمام النيابة، قال ذلك الجاسوس: إن الموساد طلب منه معلومات عن مفيض توشكي».. لماذا بنته مصر وما فائدته..؟ هل هو لاستقبال مياه الخزان في حالة ما إذا تعرض السد العالى للهجوم بالطائرات؟ كان ذلك الاعتراف مفزعا ومفاجئا للكثيرين وقتها .. ومن يراجع مجلة «المصور» وغيرها من الصحف والمجلات المصرية حول تلك القضية، فسوف يجد الاعتراف منشورا بكافة التفاصيل. وقتها أدرك الجميع أن أسوان مستهدفة وأن أجهزتنا الوطنية يقظة ومتنبهة تماما، وبقدر استشعار الخطر كانت الثقة في قدرات الدولة المصرية.. وهكذا فإن أسوان ليست بعيدة عن تفكير أعداء الوطن، سواء من العدو التاريخي أو من أهل الشر، بيننا - العملة واحدة - أصل وصورة .. هما سواء في كراهية هذا الوطن والرغبة في تهديده على طول الخط .. الوقائع تؤكد ذلك يوميا وتثبته، ولا أظن أن أحدا بات لديه أدنى شك في ذلك بعد الذي جرى فى سوريا الشقيقة خلال الفترة الأخيرة، وفي لبنان.
لتكملة قراءة الموضوع
العدد في الأسواق الان
مجلة المصور