يزخر تاريخنا الثقافي والفني بنجوم مضيئة، عاشت تتلألأ في حياتنا، من مؤلفين وممثلين ومخرجين، ونجومًا خلف الستار، أضافوا الكثير بالتزامهم وإخلاصهم و مواهبهم وإبداعهم في مسيرة المسرح المصري والعربي، و أسعدوا الجمهور بكل ما قدموا، تركوا إرثًا فنيًا في الحركة الفنية المصرية وحفروا أسماءهم في عالم الإبداع بما قدموه بعروض مسرحنا المصري.
ومع بوابة «دار الهلال» نواصل تسليط الضوء يوميًا على رحلة أحد صناع رحلة المسرح المصري على الخشبة، ومن عالم الكواليس، وخلف الستار، ومن المؤلفين والمخرجين،والمشاركين في خلق العرض، و لنسافر معه من خلال سطورنا تحت عنوان «نجوم المسرح المصري».
واللقاء اليوم مع نعمان عاشور رائد الدراما الواقعية
نعمان عاشور هو الكاتب المسرحي الذي حمل قلمه ليضيء عتمة المجتمع ويعكس نبض الشارع بحروف تنبض بالصدق والحقيقة، رمزًا للإبداع الأدبي الذي لا يهادن ولا يتجمّل، بل يواجه الواقع بقوة الكلمة وجرأة الطرح في أعماله، تلاقت الفكاهة مع الحكمة، والحزن مع الأمل، ليخلق عوالم مسرحية تفيض بالحياة وتحاكي هموم الناس وتطلعاتهم.
لم يكن نعمان عاشور مجرد كاتب، بل كان صوتًا لمن لا صوت لهم، يُعبّر عن أحلام البسطاء وآلامهم في إطار فني ساحر، لقد أعاد للمسرح العربي بريقه، وجعل منه منبرًا للتغيير والإصلاح، تاركًا إرثًا أدبيًا خالدًا يلهم الأجيال.
الميلاد والنشأة
ولد نعمان عاشور.. في مدينة ميت غمر بمحافظة الدقهلية في 17 ينايرعام 1918م، وكان مولعًا بالقراءة منذ صباه، ودرس في كلية الآداب جامعة الملك فؤاد «القاهرة حاليا» وتخصص في اللغة الإنجليزية وتخرج فيها عام 1942م
اتصل بالحركة الأدبية الصاعدة في مصر في أعقاب الحرب العالمية الثانية، والتي اهتمت بمشكلات المجتمع وهمومه، وبرز اسمه بين كتيبةٍ من الأدباء والمثقفين الشباب من طليعة النهضة الأدبية والفنية في الخمسينات والستينات بالقرن الماضي، وكانت كتاباته دائمًا واقعية وتمثل شخصيات مصرية تكاد تكون موجودة بالفعل، مما أهله أن يصبح رائدًا للواقعية المصرية في المسرح فيما بعد ثورة يوليو، هذه الواقعية لم تكن موجودة في المسرح المصري في الأربعينيات والخمسينيات بالقرن الماضي.
احتك نعمان عاشور بالتمثيل المسرحي مع زملائه في بعض المسرحيات ليوليام شكسبير، واطلع على الأدب العالمي لمشاهير الكتاب أمثال إبسن وتشيكوف.
وظل نعمان عاشور، عبر كتاباته المسرحية رائدًا للدراما الواقعية، على مدى ربع قرن وشارك في الحركة السياسية النشطة قبيل ثورة يوليو، وبعد الثورة كان واحدًا من العناصر التي أثرت الحركة المسرحية، وجاءت تجربته المسرحية مواكبة للتغييرات في المجتمع المصري عقب ثورة1952 من مجتمع يعتمد على الإقطاع وسيطرة رأس المال إلى مجتمع اشتراكي.
مؤلفات رائد الواقعية
ومن مؤلفاته نعمان عاشور في المسرح.. «المغماطيس»، وكانت أولي مسرحياته، والتي عرضت في بداية الخمسينات بدار الأوبرا المصرية التي أخرجها الفنان القدير سعد أردش، ونالت نجاحا جماهيريا كبيرًا.
وبعد ذلك قدم في المسرح القومي العديد من المسرحيات الناجحة منها.. «الناس اللي تحت»، «الناس اللي فوق»، «بلاد برّه»، «عيلـة الدوغري»، مولد وصاحبه غايب»،«سيما أونطه»، «رفاعة الطهطاوي».
كما ألف نعمان عاشور مسرحيات ..«حملة تفوت ولا شعب يموت» ، «عطوة أفندي قطاع عام»، «ثلاث ليالي»، «الجيل الطالع»، «سر الكون»، «يا حلم يا مصر»، «صنف الحريم» 1962م، «وابور الطحين» 1965م، «بلاد برة» 1967م، «بشير التقدم»، «برج المدابغ» 1975م.
وقدم نعمان عاشور في مسرح الثقافة الجماهيرية عدة مسرحيات منها ..«شهر زاد، وابور الطحين، لعبة الزمن، جنس الحريم»
وصدرت لنعمان عاشور المؤلفات أخرى في مجال القصة منها:«حواديت عم فرح» 1954م، «فوانيس» 1957م، «سباق مع الصاروخ» 1964م، «بطولات مصرية» 1971م.
وعمل نعمان عاشور لفترة محررًا بدار أخبار اليوم، كما انتخب عضوًا في لجنتي القصة والمسرح بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية،
ثمار الرحلة.. جوائز الدولة
وحصل نعمان عاشور على جائزة التأليف المسرحي عام 1962م، وحصل على جائزة الدولة التشجيعية في الآداب في عام 1968، وسافر إلي إيطاليا في بعثة قصيرة لدراسة فن دمج المسرح بالسينما وحصل على جائزة الدولة التشجيعية عن مسرحيته «بلاد برة» عام 1969م، و حصل على جائزة الاحتفال باليوبيل الذهبي للمسرح القومي، كواحد من رواد الكتابة المسرحية.
وكانت آخر كتابات المبدع نعمان عاشور مسرحية «حملة تفوت ولا شعب يموت». توفي في عام 1987م ورحل عن عالمنا في العام نفسه، 5 إبريل عام 1987م، لكن أثره باق بكل ما خط به قلمه وأصبح أحد كبار مبدعين الأدب المصري، وخاصة المسرح المصري.