كانت الملكة الفرعونية حتشبسوت أول امرأة تحكم مصر منذ 3500 سنة، قبل كليوباترا بزمن طويل.
لكنها لم تكن محظوظة والتاريخ لم ينصفها، لا سيما وأنها واجهت أقوى الاعتداءات النفسية والتاريخية لطمس هويتها ومحو ذكرها من التاريخ المصري.
هذه الحملات بدأت منذ أيام الفراعنة، وتحديداً بعد عشرين سنة من وفاتها.
فمن هي هذه الحاكمة ومن يريد تشويه ذكراها؟
عادةً الحكم في مصر القديمة كان ينتقل من الأب إلى الإبن. وكان وجود الرجل في سدة الحكم أمراً ضرورياً، فعلى الرغم من عدم وجود قانون يمنع المرأة من تولّي الحكم، إلّا أن المصريين اعتبروا أنّ وجود "الفرعون" ذكر ضرورياً للحفاظ على التقاليد ولتجسيد روح الإله الذكر حورس.
لكن بعد وفاة تحتمس الثاني في 1479 قبل الميلاد، انتقل الحكم لابنه تحتمس الثالث الذي كان طفلاً آنذاك، فكان من المستحيل أن يتولى الحكم.
لذلك اضطر الكهنة إلى تعيين حتشبسوت، زوجة أب تحتمس الثالث، حاكمة على مصر، وبذلك أصبحت حتشبسوت أول امرأة تحكم مصر.
حكمت حتشبسوت مصر طوال 20 عاماً. وخلال حكمها كان عليها أن تتنكر بهيئة رجلٍ لتقنع الشعب: أولاً اختارت اسم مذكر "ماعت-كا-رع" في التتويج وغيّرت اسمها بإضافة "سوت" التي تستخدم مع الاسم المذكر. ثم بدأت تتنكر بزي رجلٍ. فكانت ترتدي في الحفلات الرسمية ملابس الفراعنة القدامى وكانت تلصق لحية على وجهها وتأمر النحاتين أن ينحتوا تماثيلها مع هذه اللحية.
والطريف أن مصر شهدت في عصر "الحاكمة الذكية" عقدين من الازدهار السياسي والاقتصادي، إذ اهتمت حتشبسوت بالرحلات التجارية الطويلةالتي جعلت مصر أغنى الدول وأكثرها ازدهاراً. كما تمكنت حتشبسوت من بناء معبدٍ لها "دير البحري" واهتمت بالمجال العسكري فأصبح الجيش أقوى في عهدها.
وبعد مرور عشرين عاماً على وفاة حتشبسوت، تم تدمير المدونات التي ذكرتها ومحو صورها كي لا يتذكرها أحداً. لكن من فعل ذلك؟
المتهم الأول هو ابن زوجها تحتمس الثالث. فالتحليلات والقصص التاريخية تقول أنه ربما شعر بالغضب بعد أن سلبت الحكم منه وسيطرت على مصر. أو ربما أراد أن يظهر قوته عبر محو إنجازاتها.
لكن هذه الفرضية قد تكون غير صحيحة. فقد دمرت التماثيل والصور بعد عشرين عاماً من وفاتها وهذا يعتبر وقتاً طويلاً للتعبير عن الغضب.
"نظرية المؤامرة" التي تثبت صحتها في أوقات عديدة، تشير إلى أن من دمّر التماثيل والصور أراد أن يضمن أن العالم لن يأتي على ذكر "امرأة حكمت مصر" وأراد أن يمحو صورة الحاكمة التي أنجزن الكثير والتي كسرت التقاليد.
أما التفسير الساذج - وربما الحقيقي أيضاً - فيقول أن الفراعنة كشفوا سر المرأة التي حكمتهم وهي متنكرة بزي رجل، فخافوا أن تكون قد دمّرت الترتيب الكوني لذلك دمروا أي أثر لها تفادياً للعنة الآلهة.
التاريخ يمجّد العظماء
رغم جميع هذه المحاولات، لم يستطع المخربون أن يدمروا كل الآثار والصور المرتبطة بها. فتركوا آثاراً كافية ليعرف العالم هذه المرأة العظيمة وليتعرف على إنجازاتٍ حققتها في زمنٍ لم يؤمن بقدرات النساء. نحن الآن لدينا ما هو كافٍ لاخبار قصة هذه المرأة القوية حسبما جاء بموقع يلا فيد