أكد المشاركون في ندوة "شرق أوسط متغير.. نحو بناء استراتيجية مصرية جديدة"، التي نظمها المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، أن مصر تبذل كل الجهود الممكنة من أجل تحقيق الاستقرار في محيطها وحماية المصالح العربية والإقليمية، فضلاً عن مساعيها من أجل الوصول إلى حل للقضية الفلسطينية وإقامة الدولة المستقلة.
واستعرض المتحدثون في الندوة، التي عقدت على هامش معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته السادسة والخمسين، بمشاركة وزير الشباب الدكتور أشرف صبحي وسفير أرمينيا لدى مصر والدكتور خالد عكاشة مدير المركز والشيخ عمرو الورداني أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، الأزمات التي تعصف بالمنطقة وفي مقدمتها تداعيات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، بجانب الأوضاع في سوريا والبحر الأحمر، وما يمكن أن تقوم به الدولة المصرية في ظل تلك التطورات والتغيرات التي يشهدها الشرق الأوسط.
وفي هذا الإطار تحدث اللواء محمد مجاهد الزيات، عضو الهيئة الاستشارية بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، عن التغيرات التي شهدتها سوريا، موضحاً أنها ليست بمعزل عن ما حدث في لبنان وقطاع غزة.
واعتبر أن ما جرى بسوريا ليس نجاحاً لجماعة مسلحة بل انهيار نظام استعصى على السقوط لأعوام طويلة، مستعرضاً الظروف الراهنة في دمشق عقب رحيل النظام وانسحاب الجيش السوري وروسيا من المشهد، وتصاعد وتيرة تدخل أطراف فاعلة كانت بالأساس وراء سقوط النظام السوري.
ورأى الزيات أن الداخل السوري سيواجه أزمة في دمج وتحقيق التحالف بين التنظيمات والفصائل الموجودة الآن، والتي يزيد عددها على 10 تنظيمات، وذلك نظرًا لاختلاف وتناقض أيديولوجياتها وثوابتها.
وأكد أن مصر تعاملت مع متغيرات الشرق الأوسط، بما يتوافق مع مقتضيات الأمن الوطني، لافتاً إلى أن مصر هي الداعم الأول لاستقرار سوريا والمنطقة بأسرها.
من جهته، تحدث الدكتور جمال عبد الجواد، مدير برنامج السياسات العامة وعضو الهيئة الاستشارية بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، عن كيفية تعامل مصر مع كل تلك التحديات والتطورات التي حدثت في منطقة الشرق الأوسط.
وذكر بأن استخدام عنوان الشرق الأوسط قبل 15 عاما كان أمرا مستهجناً، إذ كانت الصفة المميزة لهذا الإقليم حينها هي "العروبة"، مضيفاً أن الشرق الأوسط هو أحد أنماط الاختلاط وتلاشي الحدود بين المنطقة العربية والشرق أوسطية.
ونوه إلى أن الوضع الراهن قد فرض ضغوطاً على الدول الرئيسية بالمنطقة، ومنها مصر، باعتبارها دولا تتمسك بالحفاظ على العروبة في ظل مشاريع شرق أوسطية.
وتابع في هذا الصدد أن "الدولة الوطنية" تتعرض اليوم إلى مستوى قوي من الضغوط تهدد بقاءها واستقرارها، مبيناً أن هناك بعض الدول انهارت أمام هذه الضغوط والبعض دخل في صراعات ممتدة، ولم ينج إلا القليل.
وأوضح أن الدولة الوطنية تتعرض لنوعين رئيسيين من الضغوط، وهما: ضغوط من الأسفل من خلال مطالب نوعية وعرقية، أو ضغوط فوق مستوى الدولة.
وأبرز أن المنطقة تعاني من زيادة دور الفاعلين من غير الدولة، حيث تشهد تصاعد دور الجماعات والمليشيات وخاصة الفاعلين المسلحين، والتي أصبحت بدورها تهدد استقرار الدولة بل والمنطقة كلها، منبهاً إلى أن هناك اتجاها يعد الأخطر و يهدد المنطقة الآن، من خلال كسر المحرمات والمسلمات، كتهديد الحدود بين الدول وإعادة رسم الخرائط السياسية.
ونوه الدكتور جمال عبد الجواد إلى أن كل هذه التغيرات العنيفة التي تمر بالمنطقة مدفوعة بقوتي دفع رئيستين وهما: الصراع العربي الإسرائيلي، وضعف الدولة الوطنية.
من ناحيته، تحدث اللواء محمد إبراهيم الدويري، نائب المدير العام بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، عن القضية الفلسطينية وما تمثله من أولوية بالنسبة للدولة المصرية حيث تعد قضية أمن قومي مصري.
واعتبر أن كل من ينكر أو ينتقص من الدور المصري في القضية الفلسطينية فكأنما ينكر وجود الشمس، حيث إن مصر لم تغب عن القضية الفلسطينية منذ عام 1948، مشيرا إلى أن مصر محاطة بمناطق مشتعلة تؤثر على الأمن القومي، ورغم ذلك فإن مصر هي أكبر وأهم دولة تفاعلت مع القضية الفلسطينية أي أكثر من أي دولة في العالم.
وأكد أن مصر تربطها علاقات قوية مع السلطة الفلسطينية، وكذلك مع جميع الفصائل الفلسطينية، ولم تتعامل مع القضية الفلسطينية من أجل تحقيق أي مصالح شخصية.
واستعرض أهم المحطات الرئيسية لمصر مع القضية الفلسطينية، فهي من قامت بتدريب جميع أجهزة الأمن الفلسطينية عقب اتفاقات أوسلو، كما شاركت في جميع المفاوضات التي تناولت القضية الفلسطينية منذ ذلك الحين، كما تحركت في جميع الحروب الإسرائيلية على غزة، فضلاً عن جهودها في ملف المصالحة الفلسطينية، وكذا تحركاتها العاجلة منذ السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، تجاه القضية الفلسطينية عبر الاتصالات والمؤتمرات والتأكيد على الثوابت المصرية والتشديد على رفض تصفية القضية الفلسطينية.
وأكد اللواء محمد إبراهيم أن مصر تعيش أصعب مرحلة منذ عقود فيما يتعلق بالأوضاع الإقليمية، حيث إن المنطقة من حولنا مشتعلة وعلينا الاستعداد لجميع الأزمات، مشدداً على أن المفتاح الرئيسي أمام الدولة المصرية للتعامل مع الأزمات هي الجبهة الداخلية، حيث إن هذه الجبهة قادرة على مجابهة كافة التحديات.
بدوره، تحدث الدكتور حسن أبو طالب عضو الهيئة الاستشارية للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، عن قضية الأمن في البحر الأحمر والتي تعد جزءا أساسياً من الأمن القومي المصري لما لها من تأثير كبير على قناة السويس.
وأضاف أن البحر الأحمر يمثل نقطة عبور دولية بين الشرق والغرب، ومر بمراحل مختلفة من المشكلات خلال عدة فترات ، مذكراً بأهمية هذا الممر الاستراتيجي أثناء حرب أكتوبر.
وتابع أن الدول المتشاطئة للبحر الأحمر كانت ترتبط ببعضها الا انه مع الضغوط الدولية تغيرت الظروف وأصبح امن البحر الأحمر يتعلق أيضا بالدول التي لها مصالح .
وأشار إلى أن البحر الأحمر مر في السابق بظاهرة القرصنة التي أثرت على حركة الملاحة، حيث شاركت مصر مع الجهود الدولية في القضاء عليها وتطهير البحر الأحمر، لافتاً كذلك إلى الأهمية التي تمتع بها البحر الأحمر أثناء الحرب بين العراق وإيران في السابق، بجانب ما يشهده اليوم نتيجة تداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة.
وتابع أن مصر تدعو إلى التعاون الإقليمي بين الدول المتشاطئة بالتنسيق مع الدول التي لها مصالح ولكن دون أن تتدخل تلك الدول فى شؤون منطقتنا .
وذكر بتأسيس مجلس الدول العربية والأفريقية المُطلة على البحر الأحمر وخليج عدن؛ لحماية أمن هذا الممر البحري الدولي المهم من خلال التعاون الاستخباراتي وجمع المعلومات وتنسيق العمل.
واختتم بأن مصر تظل حريصة كل الحرص على الأمن الإقليمي لاسيما من خلال المشاركة في الجهود الدولية الرامية لمواجهة التحديات، منوهاً بأن مصر تحرص وتعمل دائما على حماية مصالحها وكذلك مصالح الدول المتشاطئة للبحر الأحمر ؛ لتحقيق المصالح المصرية والعربية والإقليمية في آن واحد.