شيخ بغداد في الأدب، وصاحب اللغة وإمام عصره في علوم اللسان، خاض رحلة طويلة ليطلب وينهل من العلم قدر استطاعته، تميَّز بمنهج خاص في مؤلفاته وتصنيفاته التي ترتكز على الاختصار والتجميع مع الاجتهاد، إنه العالم الخطيب أبو زكريا التبريزي التي تحل ايوم ذكرى وفاته.
ولد أبو زكريا يحيى بن علي بن محمد الشيباني التبريزي في عام 421 هـ، الموافق 1030 ميلادية، بمدينة تبريز بشمال إيران غربي إقليم أذربيجان، ونشأ ببغداد ورحل بعد ذلك إلى بلاد الشام ثم مصر قبل أن يقفل عائدا إلى بغداد.
بدأ طريقة نحو طلب العلم بالعراق وتتلمذ على يد العديد من الشيوخ في اللغة وعلوم الدين والأدب في كل من بغداد والبصرة وجرجان، ثم عاد إلى بلدته تبريز فمكث بعض الوقت، قبل أن يشدّ الرحال إلى الشام ثم إلى مصر.
تتلمذ على أبي العلاء المعري أثناء فترة مكوثه في الشام، ولازمه مدة من الزمن، ودرس عليه يديه كتاب "تهذيب اللغة" لأبي منصور الأزهري، ومؤلفات المعرّي الشعرية والنثرية، وكتبا أخرى أدبية ولغوية.
حصل على زخم كبير من العلم حيث درس على يد عبد الواحد بن علي بن برهان، والفقيه والنحوي المتكلم عبد القاهر الجرجاني، وعبيد الله بن علي الرقي، والفالي علي بن أحمد بن سلك والصابي هلال بن الحسن، والجوهري أبي محمد الحسن بن علي، وابن برهان العكبري النحوي البصري.
وعلى مدى رحلة طويلة خاضها في طلب العلم وتلقيه، اطلع على مصنفات وكتب كثيرة في علوم الدين، ومجال اللغة والنحو والأدب، فأكسبه ذلك تكوينا علميا واسعا وعميقا، انعكس في مؤلفاته وشروحه الشعرية الكثيرة، متأثرا في ذلك بنهج شيخه المعري، حسب رأي عدد من النقاد.
تتلمذ على يديه عدد كبير من العلماء، منهم ابن السيد البطليوسي الأندلسي، وأبو البقاء العكبري، وابن هشام النحوي المصري، وعبد القادر البغدادي، وجلال الدين السيوطي، وابن بابشاذ النحوي المصري، وهبة الله بن الشجري.
تميَّز بمنهج خاص في مؤلفاته وتصنيفاته التي ترتكز على الاختصار والتجميع مع الاجتهاد، حيث تميزت شروحة الشعرية بمنهجا وصفه بعض النقاد بأنه انتخابي تهذيبي تكميلي أو تكاملي.
ألَّف التبرزي كتبا غنية في علوم الدين واللغة والأدب، منها: الملخّص في إعراب القرآن، تفسير غريب القرآن، تهذيب غريب الحديث، تهذيب إصلاح المنطق، تهذيب كتاب الألفاظ، الوافي في علم العروض والقوافي، شرح اللُّمَع لابن جني، مقدمة في النحو.
وألّف شروحا شعرية متعددة، منها: شرح ديوان الحماسة لأبي تمام، المعلقات السبع، شرح بانت سعاد، شرح ذيل المعلقات، شرح ديوان المتنبي، شرح ديوان أبي العلاء المعري.