"القدس عاصمة فلسطين"، ليس حلماً يقتصر على شعب فلسطين وحده بل هو حلم مصري، عاد ليظهر بقوة بعد إعادة طرح المشروع الأمريكي الإسرائيلي الهادف إلى تهجير شعب فلسطين من أرضه على حساب مصر والأردن، الأمر الذي أثار غضب الشعب المصري الرافض التفريط في حلم إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة التي طالبت بها كافة الأجيال المصرية منذ أكثر من 77 عامًا.
وأجمع خبراء، في تصريحات خاصة لوكالة أنباء الشرق الأوسط، اليوم الخميس، على أن مصر دولة لا ترضخ للضغوطات والتهديدات خاصة عندما يتعلق الأمر بأمنها القومي إذ إن إخراج شعب فلسطين من أرضه يهدد الأمن القومي المصري من ناحية ويضيع حلم الأمة المصرية، بل والأمة العربية، التي لم تدخر جهداً ولم تترك باباً إلا وطرقته من أجل رؤية القدس عاصمة فلسطين.
وفي هذا الإطار.. أكد اللواء نصر سالم أستاذ العلوم الاستراتيجية، أن الاقتراح الأمريكي الإسرائيلي بتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة مرفوض تماماً؛ أولاً لأنه يعني تصفية القضية الفلسطينية التي طالما ناضلنا من أجلها على مدار أكثر من سبعة عقود، ثانياً نظراً لأن هذا الطرح يعد اعتداء على سيادة دولتين مستقلتين ذات سيادة وهما دولتي الحدود مصر والمملكة الأردنية، ثالثاً إن إخراج شعب من أرضه بأي شكل من الأشكال هو مخالفة جسيمة للقانون الدولي.
وحذر من أن أي قرارات عشوائية أو فردية غير مدروسة أو غير مسئولة، في هذا الشأن، تمثل تصعيداً خطيراً من شأنه أن يهدد السلم والأمن الدوليين، منوهاً برفض الأمة العربية والإسلامية بل والمجتمع الدولي ومختلف بلدان العالم لفكرة تهجير الفلسطينيين.
ودعا اللواء نصر سالم، الدول العربية إلى التكاتف والوحدة، مذكراً بالموقف التاريخي الذي اتخذته الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية والإمارات إبان حرب أكتوبر عام 1973، حيث أكدت تلك الدول الشقيقة وقتها أن "البترول العربي ليس أغلى من الدم العربي"، الموقف الذي جعل الدول الغربية تتراجع عن دعم إسرائيل.
وأضاف، في هذا السياق، أن الدول العربية لديها الكثير من أوراق الضغط لردع أي مخطط يستهدف إنهاء حلم إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.
ولفت إلى موقف مصر الحاسم والحازم لأي محاولة لإخراج شعب فلسطين من وطنه، منبهاً إلى أن القضية الفلسطينية لا تخص الشعب الفلسطيني وحده بل هي قضية تتعلق بالأمن القومي المصري.
وقال اللواء سالم، وهو أحد أبطال حرب أكتوبر: "كل من يعتقد أن أرض سيناء يمكن أن تكون الحل.. فتلك الأرض المقدسة استعدناها بدمائنا، ونعرف عدد حبات رمالها.. وسلمنها حرة شامخة لأبنائنا.. ولن تفرط أجيال مصر القادمة في رملة واحدة من ترابها".
وذكر بأن مصر دولة لا ترضخ والتاريخ يشهد على ذلك، حيث تمتلك شعباً وجيشاً متحدين ومصطفين خلف قيادتهم الوطنية الحكيمة.
من جانبه.. قال لواء طيار دكتور هشام الحلبي، الخبير في الشئون الأمنية والاستراتيجية، إن طرح دفع شعب فلسطين إلى خارج أرضه وخاصة نحو مصر والأردن ليس بجديد فقد ظهر منذ الخمسينيات ويتم تجديد طرحه باستمرار.
وسلط الضوء على موقف مصر الواضح في هذا الموضوع، حيث تعي جيداً أن هذا المخطط يهدف إلى إنهاء حل الدولتين وتصفية القضية الفلسطينية، ويتفق موقف مصر مع القانون الدولي ويستند إلى أرضية قانونية قوية، كما أن دفع الفلسطينيين من غزة إلى سيناء تحديداً يعني انتهاك للسيادة المصرية، فضلاً عن كونه خرقاً لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، والتي تمنع التهديد المباشر وغير المباشر للسيادة المصرية.
وأضاف أن مصر اتجهت في مسارين عربياً ودولياً، وأدى التعاون المصري العربي إلى رفض إخراج شعب فلسطين من أرضه مع استمرار التنسيق وتضافر الجهود المصرية العربية، أما فيما يتعلق بالمسار المصري مع الدوائر الدولية، فقد أفرز التعاون المصري مع الدول الدولية رفضا أوروبيا قاطعا لتهجير الفلسطينيين.
وأشار إلى مواقف الدول الأوروبية والتي عبرت عنها العديد من البلدان وعلى رأسها فرنسا وألمانيا وإسبانيا، مبرزاً لاسيما موقف إنجلترا الذي رفض أيضاً توطين أهل فلسطين خارج أرضهم، فضلاً عن موقف الصين وروسيا والذي يصب في اتجاه الموقف المصري العربي.
وذكر بأنه بخلاف موقف مصر السياسي والأخلاقي فقد اضطلعت القاهرة أيضاً بمسئوليتها التاريخية والإنسانية والجغرافية حيث تعمل على تدفق المساعدات الإغاثية إلى قطاع غزة، إذ إن أكثر من 80% من حجم تلك المساعدات مصرية، كما عملت مصر على تكريس مطار وميناء العريش من أجل استقبال المساعدات الدولية، علاوة على استضافة الجرحى من أهل غزة في المستشفيات المصرية.
ونوه بموقف قيادة مصر وجيشها، إذ تم التأكيد على أنه لا مساس بالسيادة المصرية، فتلك السيادة خط أحمر، مشيراً إلى أن شعب مصر قد قال كلمته أيضاً حيث يرفض التفريط في حلم الدولة الفلسطينية المستقلة التي ترفع رايتها كل الأجيال المصرية، ولن تكف عن مناصرة الشعب الفلسطيني الشقيق.
واختتم بأن إسرائيل تدرك جيداً أن مصر تقف سداً منيعاً ضد مخططها الهادف إلى إفراغ القطاع من سكانه، ولذلك لجأت إلى الولايات المتحدة الأمريكية لكي تساعدها على ذلك، إلا أن واشنطن ما زالت تحاول في طرح دفع الفلسطينيين خاصة في غزة إلى خارجها، ولكنه سيواجه بموقف مصري عربي موحد مع الموقف دولي؛ لأنه لا بديل عن حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ومنع خروج الفلسطينيين من أرضهم التاريخية.
من جهته.. قال السفير عمرو رمضان مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن اقتراح تهجير الفلسطينيين ليس مستغرباً ولا جديداً، فمنذ أن رفض العرب قرار تقسيم فلسطين عام 1947 والسياسة الإسرائيلية المدعومة أمريكياً تهدف إلى ابتلاع مزيد من الأراضي العربية والاستيلاء على الممكن منها بل وضمه إذا استطاعت إسرائيل ذلك، ولكن هذه السياسة كانت تحاول أن تفعل ذلك تدريجياً دون استثارة العرب أو المجتمع الدولي بسياسة الخطوة خطوة مع الانخراط في عملية سلام لتهدئة العرب وتخديرهم.
وأضاف أن ما يسمى "الربيع العربي"، والذي أعقبه وضع عربي مترهل أساساً قد ساعد في تجرؤ إسرائيل على القيام بما قامت به من عدوان عسكري وحشي على شعب أعزل وإبادة جماعية لسكانه ودفعهم خارج قراهم، ثم يأتي اقتراح إقامة منتجعات سياحية وتجمعات سكانية من مختلف بقاع العالم مكانهم مع شمولهم للعودة لبلداتهم، واصفاً ذلك بـ"العته السياسي".
ورأى أنه كان من الطبيعي أن ترفض مصر هذه الأطروحات والأفكار، ليس فقط من منظور أنها شملت تهجير سكان غزة إلى مصر، ولكن من منطلق أن هذه الأطروحات تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية برمتها وإضاعة حقوق 15 مليون فلسطيني؛ ستة ملايين منهم يعيشون في فلسطين، مسلطا الضوء في هذا السياق على قول الرئيس عبدالفتاح السيسي فهذا "ظلم".
وشدد السفير عمرو رمضان على أن موقف مصر أخلاقي وعروبي وقانوني، وهو ما ينتظره العالم بأسره من مصر الحرة الأبية، منوهاً كذلك بالموقف العربي الرافض لفكرة تهجير الفلسطينيين سواء من دول المواجهة الأربع أو دول شمال إفريقيا أو دول الخليج وغيرها، مبيناً أنه وفي هذا الموضوع تجد توافقاً تاماً بين الحكومات والشعوب العربية، ولا تختلف دوافع الموقف العربي كثيراً عن دوافع مصر، مؤكداً أن مصر قلب العروبة النابض.
وتسأل مساعد وزير الخارجية الأسبق، "ثم من يملك التغاضي عن حقوق أشقائنا الفلسطينيين لصالح المطامع الإسرائيلية التي لا تعرف حدوداً؟ "وهل يملك أي مسئول عربي ترف التماشي مع هذه الأفكار المجنونة وغير الشرعية حتى أولئك الذين لا يهتمون كثيراً بقيام الدولة الفلسطينية؟" الإجابة ببساطة لا.
ونبه إلى أن التماشي مع هذه الضغوط بمثابة انتحار سياسي وتهديد للأمن القومي المصري بل والعربي.
واختتم السفير عمرو رمضان بالتأكيد على أن مصر ليست معدمة الكروت وأدوات الضغط على كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، حتى لو كنا لا نمارسها لطبيعة العلاقة الطيبة والاستراتيجية مع الأولى، وحالة السلام مع الثانية.