الإثنين 10 فبراير 2025

ثقافة

أدباء نوبل| بوريس باسترناك الذي رفض الجائزة.. صاحب «دكتور زيفاجو»

  • 10-2-2025 | 02:07

الروسي بوريس باسترناك

طباعة
  • همت مصطفى

جائزة «نوبل»، هي أشهر الجوائز العالمية في حقول الإبداع والخلق والابتكار المتنوعة، وعقب نيل الجائزة للفائزين بها يتعرف عليهم العالم أكثر و يحظون بشهرة واسعة عبر قارات العالم كله، مما يدفع بنا للبحث عن رحلتهم ومسيرتهم، وإسهاماتهم للبشرية وتنميتها وتطورها.

ومع قسم الثقافة، على صفحات بوابة «دار الهلال»، نحتفي معًا بحاصدي جائزة نوبل في الآداب لنسطر بعضًا من تاريخ إبداعاتهم ورحلتهم، من عقود كثيرة منذ بداية القرن العشرين، منح الجائزة لأول مرة في عام 1901 في فروع الكيمياء والأدب والسلام والفيزياء وعلم وظائف الأعضاء أو الطب.

نلتقى اليوم مع  الروسي.. بوريس باسترناك
في رحاب الأدب الروسي، يسطع نجم «بوريس باسترناك» كواحدٍ من أعظم الشعراء والروائيين الذين نقشوا أسماءهم في سجل الإبداع الخالد،  شاعرٌ حمل في كلماته نغمة الحنين، وروائيٌ صاغ بفنه لوحاتٍ تنبض بالحياة، ومترجمٌ جسّد عبق العصور في لغته الأم، امتزجت في روحه نزعة الرومانسية بعصف الواقع، فكان صوته صرخةً في وجه الظلم، ونفحته الأدبية ربيعًا يُزهرُ رغم قسوة الصقيع.
هوروائي وشاعر عرف في العالم الغربي بروايته المؤثرة عن الاتحاد السوفيتي «الدكتور زيفاجو»،  و يشتهر في بلاده كشاعر متميز ومتفرد، وتعد مجموعته «حياتي الشقيقة»  من أهم المجموعات الشعرية التي كتبت بالروسية في كل القرن العشرين.

نشأة بين كبار أدباء روسيا 

ولد بوريس ليونيدوفيتش باسترناك في مثل هذا اليوم  10 فبراير1890م، في موسكو، وأبوه «ليونيد فيتش» وكان رسامًا متميزًا و أستاذا في معهد الفنون، ووالدته «روزا كوفمان» كانت عازفة بيانو مشهورة.

ونشأ « باسترناك» في جو عالمي منفتح على مختلف الثقافات، وكان من زوار والده الدائمين «سيرجي رحمانينوف»، والذي كان موسيقيًا مهما وواحدًا من أعظم عازفي البيانو في تاريخ الموسيقى في القرن العشرين، حيث اشتهر بقيادته للفرق الموسيقية والشاعر النمساوي  المتميز «ريلكه»، و«ليو تولستوي»، وهو أحد عمالقة الروائيين الروس والمصلح الاجتماعي والمفكر ومن أعمدة الأدب الروسي في القرن التاسع عشر و يراه البعض من أعظم الروائيين على الإطلاق.

دخل «باسترناك» بدافع  من عائلته ــ التي كانت تحب الفنون تهتم بهاــ معهد «كونسرفتوار موسكو» عام 1910 م، لكنه تركه سريعًا ليدرس الفلسفة في جامعة ماربورج، ورغم نجاحه الدراسي إلا أنه رفض أن يعمل في مجال تدريس الفلسفة وترك الجامعة عام 1914 م، وهي  السنة نفسها التي أصدر فيها ديوانه الأول.

أخفى  «باسترناك»  في قصائده الأولى حبه وولعه بأفكار الفيلسوف الألماني الشهير«كانت»، لكنه أظهر نسيج تلك القصائد المتميز قدرته على استخدام «التباين» في المعاني لكلمات متجاورة ومتشابهة في البناء اللغوي، وهو نوع معروف في الشعر الروسي ويشبه السجع عند العرب ولكن التشابه يكون في بداية الكلمات، واستخدم الشاعر والكاتب  «باسترناك» لغة يومية، تتسم بتقارب كبير من شاعره المفضل حينذاك «ميخائيل ليرمنتوف».

 تأثير الثورة  البلشفية في أدب «باسترناك»

عمل ودرس «باسترناك» خلال الحرب العالمية الأولى، في مختبر للكيميائيات في الأورال، وهي التجربة التي ستقدم له مادة أولية خصبة سيستخدمها لاحقا في  روايته الأكثر شهرة«دكتور زيفاجو»،  وذلك على العكس من الكثيرين من أبناء طبقته وأصدقائه وأقاربه الذين تركوا روسيا بعد الثورة البلشفية والتي كانت في الفترة  قامت بداية من 25 أكتوبر 1917م وحتى نهاية عام 1921م، فإنه بقي في بلاده وقد أبهرته شعاراته تلك الثورة حينذاك،  ولكنه هزّه حلم التغيير عبر الثورة.

 اتجاه أدبي جديد

غير «باسترناك» من أسلوبه بشكل جذري في عام 1932 وذلك ليتوافق مع المفاهيم السوفيتية الجديدة. فقد مجموعته الجديدة«الولادة الثانية»1932، التي رغم أن جزءها القوقازي كان مبتكرا من الناحية الأدبية، إلا أن محبي باسترناك في الخارج أُصيبوا بخيبة أمل، و ذهب باسترناك إلى أبعد من هذا في التبسيط والمباشرة في الوطنية في مجموعته التالية «قطارات مبكرة» 1943، الأمر الذي دفع فلاديمير نابوكوف إلى وصفه بالـ «بولشفي المتباكي»، و«إميلي ديكنسون في ثياب رجل».

و شعر «باسترناك» بالخذلان والخيبة من الشعارات الشيوعية، خلال ذروة حملات التطهير الكبير في أواخر الثلاثينات، في القرن الماضي، ومع ذلك امتنع عن نشر شعره وتوجه إلى ترجمة الشعر العالمي إلى الروسية، و ترجم للمسرحي العالمي وليم شكسبير «هاملت، ماكبث، الملك لير» و للكاتب الألماني جوته «فاوست»وريلكه، بالإضافة إلى مجموعة من الشعراء الجورجيين الذين كان يحبهم ستالين.

وصارت ترجمات «باسترناك» للمسرحي العالمي «شكسبير» رائجةً جدا رغم أنه اتهم دوما لأنه كان يحول «شكسبير» ومؤلفاته  إلى نسخة من «باسترناك».

 أنقذت عبقرية «باسترناك» اللغوية من الاعتقال أثناء حملات التطهير، حيث مررت قائمة أسماء الذين صدرت أوامر باعتقالهم أمام «ستالين» أثناء حكمه للاتحاد السوفيتي، فيذكر أنه حذفه قائلا: «لا تلمسوا ساكن الغيوم هذا».

دكتور زيفاجو.. سيمفونية إنسانية وشهرة عالمية 

 استقر «باسترناك» وزوجته في قرية صغيرة ضمت مجموعة من الكتاب والمثقفين، قبيل عدة سنوات من الحرب العالمية الثانية، وأحب شاعرنا  الحياة مما منح شعره نفسًا متفائلًا وعكس ذلك في تجسيده للشخصية الأساسية في رواية «الدكتور جيفاغو..(دكتور زيفاگو)»، أما بطلة الرواية «لارا » فروي و قيل أنها تمثل عشيقته «أولجا إيفنسكايا».

لم يجد «باسترناك» ناشرا يقبل نشر روايته «الدكتور زيفاجو» في الاتحاد السوفياتي، بسبب من الانتقاد الشديد الموجه للنظام الشيوعي، لذلك فقد هربت عبر الحدود إلى إيطاليا، ونشرت في عام 1957، مسببةً أصداء واسعة: سلبا في الاتحاد السوفياتي، وإيجابا في الغرب رغم أن أحداً من النقاد السوفييت لم يكن قد اطلع على الرواية إلا أنهم هاجموها بعنف، بل وطالبوا بطرد «باسترناك»

في العام التالي 1958م لرفض روايته فاز «باسترناك» بجائزة نوبل للآداب، لكن باسترناك رفضها، وبعدها بسنتين فقط رحل عن عالمنا أحد أشهر أدباء روسيا بالقرن العشرين في 30 مايو 1960 ، ولم يحضر جنازته سوى بعض المعجبين المخلصين، ولم تنشر «دكتور زيفاجو» في الاتحاد السوفيتي إلا في عام 1987م  مع بداية الاتجاه نحو «البيريسترويكا» و«الجلاسنوست» وهما إعادة الهيكلة والشفافية،  وقد رأي البعض أن تلك السياستين أدتا إلى تفكك الاتحاد السوفيتي وتفككه سنة 1990م.

وكانت رواية «دكتور زيفاجو» ليست مجرد رواية، بل سيمفونية إنسانية ترصد صراع الحب والمصير في زمنٍ تموجت فيه الأحداث السياسية كأمواجٍ عاتية، تسحق الأحلام لكنها لا تنال من روح الإنسان،  منعت كلماته في موطنه، لكنه ظل خالدًا في ذاكرة العالم، رمزًا للأدب الحر الذي لا تحجبه أسوارُ القمع.
فيلم عالمي .. و 5  جوائز أوسكار 

وحولت رواية «دكتور زيفاجو» للأديب بوريس باسترناك إلى فيلم سينمائي ملحمي «دكتور زيفاجو» أنتج عام 1965 م، من إخراج ديفيد لين، وبطولة نجم مصر العالمي عمر الشريف وجولي كريستي، وقام  الموسيقي العالمي «موريس بيجار» بتأليف موسيقاه التصويرية،  حصد الفيلم خمسة جوائز أوسكار، ويعد ثامن أنجح فيلم على مستوى شباك التذاكر العالمي، متجاوزا فيلم «تايتانيك» عندما تحذف معدلات التضخم وتعدل بشكل نسبي.

رحل  الأديب المتميز الروسي بوريس باسترناك عن عالمنا في 29 يناير 1890م، وكان وسيظل شهابًا مضيئًا في سماء الأدب، تحدّى العتمة وأبى أن يخفت نوره، ليبقى صوته شاهدًا على خلود الكلمة وسط زحام العصور.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة