يزخر تاريخنا الثقافي والفني بنجوم مضيئة، عاشت تتلألأ في حياتنا، من مؤلفين وممثلين ومخرجين، ونجومًا خلف الستار، أضافوا الكثير بالتزامهم وإخلاصهم و مواهبهم وإبداعهم في مسيرة المسرح المصري والعربي، و أسعدوا الجمهور بكل ما قدموا، تركوا إرثًا فنيًا في الحركة الفنية المصرية وحفروا أسماءهم في عالم الإبداع بما قدموه بعروض مسرحنا المصري.
ومع بوابة «دار الهلال» نواصل تسليط الضوء يوميًا على رحلة أحد صناع رحلة المسرح المصري على الخشبة، ومن عالم الكواليس، وخلف الستار، ومن المؤلفين والمخرجين، والمشاركين في خلق العرض، و لنسافر معه من خلال سطورنا تحت عنوان «نجوم المسرح المصري».
و اللقاء اليوم مع نعيمة وصفي .. الفنانة المثقفة والمرأة المصرية الأصيلة
بداية الرحلة والمشوار الفني
ولدت نعيمة وصفي في 10 فبراير في ديروط بمحافظة أسيوط بصعيد مصر 1923م، ظهرت موهبة الفنانة نعيمة وصفي مبكرًا من خلال المسرح المدرسي، بمرحلة الابتدائية، وبدأت حياتها بكتابة القصص والشعر والزجل، ثم عملت في مجال التدريس بعد تخرجها في مدرسة المعلمات واستقرت بالقاهرة حتى تعرفت على الفنانة نجمة إبراهيم والتي شجعتها على التمثيل، فالتحقت بمعهد التمثيل وحصلت على درجة دبلوم التمثيل عام 1947م.
وكانت ضمن أول دفعة والتي ضمت نخبة من الفنانين والنجوم ومنهم حمدي غيث، نبيل الألفي، سعيد أبو بكر، شكري سرحان، فريد شوقي، عبد المنعم إبراهيم، صلاح منصور، عمر الحريري، كمال حسين، محمد السبع، أمينة الصاوي، يوسف الحطاب.
عضوة بالمسرح المصري الحديث
بدأت نعيمة وصفي حياتها المسرحية من خلال العمل بالفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى، وذلك قبل تعيينها بفرقة «المسرح المصري الحديث» التي أسسها زكي طليمات من خريجي المعهد العالي للتمثيل، لتنتقل بعد ذلك مع الفرقة إلى«الفرقة المصرية الحديثة»، والتي أصبحت بعد ذلك فرقة المسرح القومي.
الدراما التلفزيونية والسينما
وأثناء عمل نعيمة وصفي بالمسرح انطلقت للعمل بالوسائط الفنية الأخرى، فشاركت في عشرات المسلسلات بالدراما التلفزيونية منها حكاية ميزو، مبروك جالك ولد، وفي السينما شاركت في أفلام عديدة منها .. رصيف نمرة خمسة، الطريق المسدود، حسن ونعيمة، حبيبي دائما، ريا وسكينة، ولا عزاء للسيدات، جفت الأمطار، المتوحشة، واسلاماه، السمان والخريف.
أدوار وشخصيات مهمة بالمسرح
شاركت نعيمة وصفي في المسرح بالكثير من الأدوار، والشخصيات الدرامية المهمة منها: أم رتيبة، الست هدى، معروف الإسكافي، الجيل الطالع، شيء في صدري، عودة الروح، زوربا المصري، عديلة، جلفدان هانم، وقد حصلت على جائزة الدولة التشجيعية عن مجمل أعمالها المسرحية.
شخصيات مركبة
عرفت نعيمة وصفي بالفنانة المثقفة، في رحلتها المتميزة في عالم الإبداع، والتي تقارب من أربعين عامًا، وعبر نجاحها في تأكيد وجودها الفني بجميع الوسائط الفنية من سينما ومسرح وإذاعة وتلفزيون، ونجاحها في تجسيد عدد كبير من الشخصيات الدرامية المتنوعة والمركبة.
سمات متفردة
واستطاعت نعيمة وصفي منذ بداياتها الفنية أن تلفت الأنظار إلى موهبتها وإثبات وجودها الفني، فقد اتسمت بموهبتها المؤكدة، وإصرارها و دأبها على تحقيق النجاح والتميز، وقدرتها المستمرة على الالتزام الفني والانضباط بالمواعيد، حرصها على صقل موهبتها بالدراسة الأكاديمية، وباكتساب الخبرات اللازمة بالتعاون مع الفنانين من الزمن الجميل، والمبدعين سواء بالمسرح والسينما والتلفزيون.
المرأة المصرية الأصيلة
حققت نعيمة وصفي مكانة متميزة في عالم الفن بموهبتها وثقافتها الحقيقية وأخلاقها الراقية واستطاعت خلال مسيرتها الفنية أن تصبح نموذجا مشرفا للفنانة المصرية الموهوبة والمثقفة أو للمرأة المصرية والعربية بصفة عامة، ورمزًا للالتزام الفني والأخلاقي ورقي التعاملات الإنسانية، وتركت نعيمة وصفي خلال مسيرتها الفنية مكانة كبيرة وخاصة في قلوب الجمهور بأدائها المتميز الذي يتسم بالبساطة والطبيعية، وكان تجسيدا واقعيًا لشخصية المرأة المصرية الأصيلة بمختلف طبقاتها الاجتماعية، خاصة وأنها كانت تتميز بوجه مصري أصيل، يستطيع أن يؤدي مختلف الشخصيات، مثل الأم أو الشقيقة والزوجة و بالزميلة المثقفة العصرية.
صوت معبر وصدى مميز
تمتعت نعيمة وصفي بالكثير من السمات التي ميزتها عن غيرها من الفنانات ومن أهمها تمتعها بصوت معبر وكانت تمتلك القدرة على تقديم الأداء المعبر والتلوين النغمي طبقا للمتطلبات الدرامية للدور، فتنجح في شد انتباهنا، وتمتعنا بصداه الجميل سواء كان الأداء باللغة العربية الفصحى أم باللهجة العامية.
فنانة السهل الممتنع.. الصدق والطبيعية
ويوصف أداء نعيمة وصفي بالسهل الممتنع أو بالصدق والطبيعية، والذي أشاد بمهاراتها في توظيف مفرداتها الفنية المختلفة ومن بينها توظيف الحركة والإشارة، و بقدرتها على التعبير عن مختلف الأحاسيس وعلى ضبط المشاعر والتحكم في الانفعال.
وتميزت بقدرتها على تجسيد مختلف الشخصيات الدرامية، خاصة بعدماأهدتها ثقافتها وخبراتها الطويلة الوعي والتميز في أداء الأدوار التاريخية والدينية الجادة أو أداء أدوار المرأة الفلاحة والصعيدية وأيضا التركية، وكذلك تميزت في أداء الأدوار الاجتماعية الخفيفة التي تتسم بخفة الظل للمرأة العصرية المثقفة.
إبداعات أخرى
ولم تقتصر نعيمة وصفي كمبدعة على التمثيل فقط ، لكنها ساهمت أيضا بالتأليف وكتابة السيناريو والحوار، حيث شاركت الأديب عبد الرحمن الشرقاوي في إعداد مسرحية «الشوارع الخلفية»، والتي قام بإخراجها الفنان القدير والمخرج سعد أردش لفرق التليفزيون المسرحية عام 1962، كما كتبت عدة أعمال للتلفزيون ومن بينها تمثيليات.. أم أولادي، أين مكاني، كما شاركت في إعداد ما يقارب الخمسين حلقة من برنامج رسالة التلفزيوني.
نعيمة وصفي في المسرح المصري
أدت نعيمة وصفي منذ أول مشاركاتها المسرحية الأدوار الرئيسة المهمة، فاستطاعت أن تثبت وجودها وتضع لاسمها مكانة متميزة وسط سيدات المسرح العربي سواء بأدائها لبعض الأدوار التراجيدية أو الكوميدية، و نالت احتفاءً وإشادة من قبل الحركة النقدية مبكرا بموهبتها، و أشاد نخبة من كبار النقاد بتميزها في أداء أدوارها المسرحية وعملت مع الفرق التالية
- فرقة «المصرية للتمثيل والموسيقى»: «عزيزة ويونس» 1945م، «بناقص واحد»، «حواء الخالدة» 1946م «في ظلال الحريم» 1947م، «أصدقاؤنا الألداء»، «عزيزة هانم»، «فاجعة على المسرح» 1950م، «أم رتيبة» 1952م، «أصحاب العقول» 1953م.
- فرقة «المسرح المصري الحديث»:«ابن جلا» 1950م، «في إحدى الضواحي»، «البخيل»، «مسمار جحا» 1951م، «دنشواي الحمراء»، «أصحاب العقول»، «طبيب رغم أنفه» 1952م.
- فرقة «المصرية الحديثة»: «إشاعة هانم»، «مضحك الخليفة» 1954م، «خفايا القاهرة»، الأشباح، «قلب كبير»، «سكان العمارة»، «شذوذ» 1955م، «إيزيس» 1956، الوارثة» 1957م.
- فرقة «المسرح القومي»: «نائبة النساء»، «الأيدي القذرة»، «ثورة الموتى»، الناس إللي فوق 1958م، «وطني عكا 1969م، «الست هدى» 1973م.
- فرقة «المسرح الكوميدي».. «المفتش العام»، «مسرح التلفزيون» 1962، «جلفدان هانم» 1962، «معروف الإسكافي» 1967م، «ابتسامة بمليون روبل» 1970م، «الجيل الطالع» 1971م.
- فرقة «المسرح الحديث»: «شيء في صدري» 1962م، «قهوة مصر» 1963م، «عودة الروح» 1965.
- فرقة «المسرح العالمي : «يأجوج ومأجوج» 1964م، «البرجوازي النبيل»، «الحيوانات الزجاجية» 1965م، ومع «مسرح الحكيم»: «شمشون ودليلة» 1970م
- فرقة «مسرح الطليعة»: عازب و 3 عوانس «الجيب» 1972م، «زوربا المصري» 1976م، عديلة 1981م.
الفرق الخاصة
شاركت نعيمة وصفي ببطولة بعض المسرحيات الأخرى ومن بينها: مسرحية «ست شخصيات تبحث عن مؤلف» مع أنصار التمثيل والسينما 1961م، «قصة الحي الغربي» لفرقة المتحدين 1972، «ولد وجنية» مع فرقة «نعيمة وصفي» 1973م، وذلك بخلاف مشاركتها ببعض المسرحيات الأخرى سواء تلك المسرحيات المصورة ومن بينها: «الخطيئة الأولى»، «أجازة مع حماتي»، «والحقيقة فين» 1973م، «الصيف في ديسمبر» 1983م.
تعاون مع كبار المخرجين
تعاونت نعيمة وصفي في العروض المسرحية مع نخبة من كبار المخرجين الذين يمثلون أكثر من جيل ومن بينهم الأساتذة.. زكي طليمات، يوسف وهبي، فتوح نشاطي، عبد الرحيم الزرقاني، حمدي غيث، نبيل الألفي، نور الدمرداش، كمال يس، سعد أردش، كرم مطاوع، جلال الشرقاوي، عبد المنعم مدبولي، كامل يوسف، محمود السباع، كمال حسين، سعيد أبو بكر، علي الغندور، ومن الأجيال التالية: فاروق الدمرداش، محمود الألفي، شاكر عبد اللطيف، جلال غنيم، سعيد مدبولي، زينب شميس.
المونودراما و الإنتاج
وساهمت نعيمة وصفي بقوة في عالم عروض «المونودراما»، حيث قدمت عرض «عديلة»، وشاركت بالإنتاج حيث كونت فرقة مسرحية وغامرت بإنتاج عرض «ولد وجنية» من تأليف سيد حجاب، وإخراج: شاكر عبد اللطيف وبطولة نعيمة وصفي، محمد العربي، رويدا عدنان، سهير الباروني، ليلى جمال، محمد متولي.
المشاركات الإذاعية
ساهمت الفنانة القديرة في إثراء الإذاعة المصرية بكثير من برامج المنوعات والأعمال الدرامية على مدار مايقرب من أربعين عاما ومن بينها مسلسلات: «قصر الشوق، أم الأولاد، ليلة الفرح، حظك هذا الأسبوع، الأمل المشرق، خطيبة إسماعيل يس، ملك الطاولة، الثعبان، ثم عاد الربيع، حسن ونعيمة، الزبال، القيثارة الحزينة، حكاية الدكتور مسعود».
في السينما
كانت بداية مشاركة نعيمة وصفي السينمائية عام 1951 من خلال فيلم «طيش الشباب»، ثم بدأت تلفت الأنظار إلى موهبتها من خلال فيلم«زمن العجايب»، وتضم في قائمة أفلامها مايلي :
الخمسينات في القرن العشرين .. شاركت نعيمة وصفي في أفلام: «زينب، بشرة خير، قليل البخت، ناهد، صورة الزفاف، زمن العجائب، كأس العذاب 1952م، بين قلبين 1953م، أيامنا الحلوة، نهارك سعيد 1955م، رصيف نمرة خمسة 1956م، بيت الله الحرام، بورسعيد، الفتوة، أنا وأمي، الطريق المسدود1957م، باب الحديد 1958م، الحب الأخير، المبروك، حسن ونعيمة 1959م، بين السماء والأرض، بين إيديك، بهية».
الستينيات.. شاركت في أفلام: «المراهقات» 1960م، وإسلاماه»1961م، «أيام ضائعة» 1965م، «من أحب»، «تفاحة آدم» 1966م، «أجازة غرام»، «جفت الأمطار»، «السمان والخريف» 1967م، القضية 68 عام 1968م.
السبعينيات.. «ولد وبنت والشيطان» 1971، «رحلة العمر» 1974م، «هكذا الأيام»، «جنس ناعم»، «ابنتي والذئب» 1977م، «ولا عزاء للسيدات»، «المتوحشة» 1979م، «حبيبي دائمًا» 1980م، «ريا وسكينة»، «دعوة للزواج» 1983.
المشاركات التلفزيونية
شاركت نعيمة وصفي منذ بدايات البث التلفزيوني.. وتحديدًا في النصف الأول من ستينيات القرن الماضي.. بأداء عدد كبير من الأدوار الرئيسة ببعض السهرات والمسلسلات التلفزيونية ومن بينها على سبيل المثال فقط.. «الفلاح» 1968م، «عندما يشتعل الرماد» 1973م، «لقيطة»، «بنت الأيام»، «حكاية ميزو»1977م، «لحظة اختيار» 1978م، «عيون الحب» 1979م، «مبروك جالك ولد» 1980م، «حكاية العرندس»، «الحب في الخريف» 1983م.
الحياة الشخصية
تزوجت من الكاتب الصحفي عبد الحميد سرايا، وأنجبا ثلاثة أبناء هم: الطبيب خالد، والإعلامي محمد، و مهندسة الديكور منى، وحفيدها الفنان حسام داغر.
رحيل وإبداع وأثر باق
ورحلت الفنانة نعيمة وصفي عن عالمنا في 7 أغسطس عام 1983، وتركت حصادًا كبيرًا تسعد به جمهور الفن بالإذاعة والتلفزيون والمسرح والسينما في مصر والوطن العربي لعقود كثيرة متتالية وعصور مقبلة، ما حيينا.
![](/media/news/2025/2/10/2025-638748088563472666-347.jpeg)