في استمرار لجهودها الحثيثة للتهدئة في غزة، وإعادة إعمار القطاع المدمر جراء العدوان الإسرائيلي الغاشم الذي استمر لأكثر من 15 شهر، تعتزم مصر طرح رؤيتها لإعادة عمار غزة ويستعيد القطاع ظروف الحياة، بعد التدمير الذي نفذه الاحتلال للبنية التحتية والمباني، وفي ظل الأطروحات والتهديدات الهادفة لتهجير الشعب لفلسطيني من أرضه، وهو الأمر الذي أكدت مصر رفضها القاطع له.
وفي بيان لوزارة الخارجية أمس، أعربت مصر عن تطلعها للتعاون مع الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس دونالد ترامب من اجل التوصل لسلام شامل وعادل في المنطقة، وذلك من خلال التوصل لتسوية عادلة للقضية الفلسطينية تراعي حقوق شعوب المنطقة، مؤكدة اعتزامها طرح تصور متكامل لإعادة إعمار القطاع، وبصورة تضمن بقاء الشعب الفلسطيني على أرضه وبما يتسق مع الحقوق الشرعية والقانونية لهذا الشعب.
وشددت على أن أي رؤية لحل القضية الفلسطينية ينبغي أن تأخذ في الاعتبار تجنب تعريض مكتسبات السلام في المنطقة للخطر، بالتوازي مع السعي لاحتواء والتعامل مع مسببات وجذور الصراع من خلال إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية، وتنفيذ حل الدولتين باعتباره السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار والتعايش المشترك بين شعوب المنطقة.
الإعمار في فترة زمنية قصيرة وبقاء الفلسطينيين في أرضهم
ومن جانبه، أكد الدكتور إكرام بدر الدين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن القضية الفلسطينية ستكون في صدارة الملفات المطروحة خلال القمة العربية الطارئة المقبلة، مشيرًا إلى أن مصر قدمت رؤية متكاملة لإعادة إعمار غزة، تقوم على تنفيذ عملية البناء في فترة زمنية قصيرة مع بقاء الفلسطينيين في أرضهم، دون الحاجة إلى تهجيرهم قسريا خارج وطنهم، كما يُطرح في الوقت الراهن.
وأوضح بدر الدين، في تصريح لبوابة "دار الهلال"، أن مصر مستعدة للبدء الفوري في إزالة الركام ووضع خطة تنفيذية لإعادة البناء خلال مدة لا تتجاوز عامين، مؤكدًا أن نجاح هذه الجهود يتطلب تضافر الجهود العربية والدولية، وهو ما سيتم بحثه في القمة العربية المقبلة لضمان موقف عربي موحد داعم لهذا الطرح.
وأشار إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب دعا أي طرف يمتلك رؤية بديلة أو مقترحات لإعادة الإعمار إلى طرحها، وهو ما يعزز أهمية المبادرة المصرية باعتبارها مقترحًا عربيًا متكاملًا يمكن تنفيذه بالتعاون مع المجتمع الدولي، مضيفا أن المرحلة الراهنة حرجة، وقد تشهد تعقيدات في تنفيذا تفاق وقف إطلاق النار، وسط التحذيرات الإسرائيلية والأمريكية بخصوص إطلاق سراح جميع الرهائن، وإذا لم يطلق سراحهم ستحدث مشكلة كبيرة، فهذه التهديدات تعقد التوصل إلى الحلول المناسبة وتطبيق المقترحات المناسبة، لذلك يجب على جميع الأطراف استمرار المفاوضات .
وفي سياق متصل، شدد بدر الدين على أهمية تعزيز وحدة الموقف العربي في مواجهة التحديات التي تهدد المنطقة، مؤكدًا أن القمة العربية المقبلة ستؤكد على ضرورة الانتقال من بيانات الإدانة إلى خطوات تنفيذية وبرامج ملموسة على الأرض.
وأضاف أن المخاطر التي تواجه القضية الفلسطينية لا تخص الفلسطينيين وحدهم ولا تهدد مصر والأردن والمملكة العربية السعودية فقط، بل تمثل تهديدًا مباشرًا لكافة الدول العربية، مما يتطلب تنسيقًا عربيًا أوسع لمجابهة هذه التحديات.
وأكد أستاذ العلوم السياسية أن الدول العربية تمتلك أوراق ضغط مؤثرة، مثل الموارد الاقتصادية والطاقة والموقع الجغرافي، والتي يمكن توظيفها في الوقت المناسب لضمان تحقيق الأهداف الاستراتيجية المشتركة، مشددًا على أن هذه المرحلة تتطلب موقفًا عربيًا قويًا وموحدًا لمواجهة التهديدات الإقليمية والدولية.
إعادة الحياة إلى غزة
أكد السفير صلاح حليمة، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن الرؤية المصرية لإعادة إعمار غزة تأتي في إطار التزام مصر القومي العميق بالقضية الفلسطينية، مشيرًا إلى أن مصر قد عملت على إعداد تصور شامل لهذا الملف، في وقت تستضيف فيه القمة العربية في 27 فبراير الجاري، حيث يُتوقع أن تشكل القمة خطوة هامة نحو تحقيق موقف عربي موحد بشأن إعادة إعمار غزة.
وأوضح حليمة، في تصريح لبوابة دار الهلال أن الموقف المصري ينطلق من أساسيات ثابتة، أبرزها التصدي لأي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية سواء جغرافيًا أو ديموغرافيًا، وضرورة العمل على تسوية القضية الفلسطينية بشكل عادل وشامل.
وأضاف أن مصر لن تسمح بتمرير أي مشاريع تسعى إلى تهجير الفلسطينيين أو فرض أمر واقع يهدف إلى تفريغ الأراضي الفلسطينية من أبنائها، مشيرا إلى أن الموقف المصري يرفض تمامًا أي محاولات تهجير قسري سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية، لأن تلك المحاولات تعد انتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية وجرائم حرب يمكن أن يحاسب عليها مرتكبوها أمام المحكمة الجنائية الدولية.
وفيما يخص رؤية مصر لإعادة إعمار غزة، أكد حليمة أن مصر تسعى إلى تنفيذ هذا التصور ضمن إطار يحافظ على بقاء الشعب الفلسطيني في أرضه، ويضمن إعادة بناء غزة في ظل وجود الفلسطينيين فيها، مع ضرورة إقرار وقف إطلاق النار بشكل مرحلي، وصولًا إلى انسحاب إسرائيل من القطاع.
وشدد على أهمية أن يكون هناك موقف عربي وإسلامي ودولي داعم لهذه الرؤية، وتحديدًا دعم أوروبي يتوافق مع المواقف الدولية التي تنادي بحل الدولتين.
وأكد حليمة أن مصر تعمل بشكل متواصل على مواجهة التحديات التي فرضتها إسرائيل على قطاع غزة، حيث دمرت البنية التحتية وجعلت الحياة غير قابلة للعيش في القطاع، مشيرًا إلى أن التزام مصر بإعادة إعمار غزة هو جزء من التزامها بحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.
وأكد أن مصر تواصل جهودها الدبلوماسية لتحقيق تسوية عادلة للقضية الفلسطينية، وأنها ستظل دائمًا في مقدمة الدول الساعية لإحقاق الحقوق الفلسطينية وإعادة الحياة إلى غزة.