ستعلمك الأيام كل دروسها، ستدفع بها إليك جملة واحدة، سترسل إليك برسالتها الهامة، رسالتها التي ستدعوك فيها إلى ضرورة الاحتفاظ بحقك في حريتك وإخفاء هذا القدر الهائل من رهافة حسك، من طيبة قلبك، من حسن ظنك، ستوحي إليك بسرها الأعظم، سترسم لك معالم طريقك، ستلهمك، ستذكرك بأن حسن ظنك المطلق هو أصل خطيئتك وكل ذنبك.
ستعلمك الأيام بأن غلق باب القلب ولو لبعض الوقت أمر مستحب ومحمود العاقبة، ستعنفك إن آثرت العناد حتى تكف عن منحك الحب لمن لا يستحق محبتك وودك، ستجبرك على تغليب الحكم لرجاحة عقلك، ستنصرها على لين قلبك، ستبعث إليك بتجارب الآخرين سترسلها جاثية ذليلة، توجه من خلالها إليك برسائلها الضمنية، تهمس بنصائحها المتتالية في أذنك، ترجوك بألا تضر نفسك وألا تنخدع في هؤلاء العابرين، فأغلبهم لا يستحق أن تمنحه حق الإقامة في قلبك.
إنها الحياة التي أصبحت منذ هذه اللحظة هى معلمك الأول، ستعيد دروسها وتكررها، ستذكرك وتوضح لك بأنك لم تجنِ من حسن نواياك إلا الاصطدام بمزيد من مكائد وعثرات باتت تعيقك مملية شروطها عليك، ستحذرك مرارًا، ستنبهك لكل ذلك بعد أن رأت فيك تلميذها النجيب، إنها ما زالت تتوسم فيك نبوغًا، تتوقع منك تفوقًا وتميزًا.
ستتعلم على يدها دروسًا جديدة، دروسًا آتية من عمق مواقف حياتية عدة، مواقف قررت أن تصاحبك، تنبئك بأن الحياة من حولك قد تغيرت، وبأن القلوب لم تعد كما كانت في الماضي لينة رقيقة وإن منحتها كل فرصك، ستسبقك لتلقنك درسها في ميدان من واقعية مفرطة، ستنزع عنك خيالًا جامحًا يحركك في اتجاه معاكس لاتجاهك، لعلك تدرك بعدها أن السلام هو ضمانك، هو سبيلك الأوحد للحصول على سلامتك وأمنك.
ستبسط يدها أمامك حاملة معها نصائحها الكبرى إليك، تشير عليك بأن تتعود أن تتصدى بقلب جسور لأحداثها المؤلمة بكل قوة، بصلابة كالصخر تنبع من توهج إيمانك بربك، تشجعك على مواجهتها بكل حزم، تصارعها، تهزمها في قلب ساحات عزك وانتصارك، دروس الأيام لا تنسى، دروس الأيام آنية لا تخضع لتأجيل ولا تقبل بمساومة.
من الرائع أن تكون لطيفًا، من المستحب أن تكون رقيق القلب، حلو العشرة، لكن من الصعب بل ومن المستحيل أيضًا أن تترك نفسك هكذا ما بين صعود وهبوط، مثلك كمثل ريشة خفيفة تتناقلها الرياح وتحركها كيف شاءت، تلقي بك أحيانًا بين أناس لا يشبهونك، فهم من أجادوا فنون خداعك مستغلين نصيبك من حسن ظنك.