رأت مجلة (تايم) الأمريكية أن ألمانيا تعيش فترة حرجة تتزامن مع الانتخابات المرتقبة غدا الأحد، حيث تواجه الدولة العديد من التحديات الكبرى التي قد تساهم في رسم معالم المستقبل السياسي والاقتصادي لها.
وذكرت المجلة الأمريكية في مقال لها أن الاقتصاد الألماني يمر بأزمة اقتصادية شديدة بعد عامين من الركود، ومع احتمال فرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رسوماً جمركية على المنتجات الأوروبية، قد تتفاقم هذه الأزمة.
كما أن أجندة "أمريكا أولاً" التي يتبناها ترامب أثارت العديد من الأسئلة حول أمن ألمانيا ووجود الولايات المتحدة كداعم رئيسي لأمن القارة الأوروبية، وهو ما يعيد للأذهان الشكوك التي كانت موجودة منذ نهاية الحرب الباردة.
ومن جهة أخرى، فإن القضايا المتعلقة بالهجرة باتت تشكل مصدر قلق كبير للمجتمع الألماني، خاصة بعد سلسلة من الهجمات الإرهابية التي نفذها مهاجرون. وهذه الحوادث أسفرت عن تعزيز الدعم لحزب "البديل من أجل ألمانيا"، الذي يتبنى مواقف متشددة تجاه الهجرة، ويستعد لتحقيق أفضل نتيجة انتخابية له في التاريخ الحديث.
وتشير الاستطلاعات إلى أن فريدريش مرز، زعيم الحزب الديمقراطي المسيحي، هو المرشح الأقرب لخلافة المستشار الحالي أولاف شولتز. لكن مرز يواجه تحديات كبرى، بعضها يتعلق بالأوضاع الاقتصادية وأخرى تتعلق بأفعال قام بها بنفسه. فعلى الرغم من أنه يواجه مشكلات خارج نطاق سيطرته، مثل القلق الاقتصادي الناتج عن توقف واردات الطاقة الرخيصة من روسيا، فإن أزمة الهجرة، التي تصدرت أولويات الناخبين، تُضاف إلى مشاكله السياسية.
وأشارت المجلة إلى أن النموذج الاقتصادي الألماني بات مهدداً، حيث تتسبب المتغيرات العالمية في تراجع القدرة التنافسية للصناعة الألمانية، مما يؤثر بشكل خاص على قطاع السيارات الذي يعد العمود الفقري للاقتصاد الألماني. وعليه، فإن قرارات مرز الاقتصادية ستكون حاسمة، خاصة إذا استمر ترامب في تهديداته بفرض الرسوم الجمركية.
وعلى الصعيد الأمني، فإن ألمانيا مطالبة باتخاذ خطوات سريعة لتعزيز دفاعاتها في ظل تراجع الدعم الأمريكي. والتحول في السياسة الأمنية الألمانية بعد الحرب الروسية لأوكرانيا كان بمثابة إعلان عن بداية مرحلة جديدة في التسلح، ولكن تبين أن الاستثمار في الجيش الألماني كان بطيئاً للغاية. ويلعم مرز أن ألمانيا بحاجة إلى زيادة استثماراتها في الدفاع بسرعة لمواجهة التهديدات المستقبلية، ولكن هذا يتطلب اتخاذ قرارات صعبة مثل إعادة فرض الخدمة العسكرية، وهو أمر يراه ضروريًا لضمان أمن البلاد.
أما الهجرة، فقد أصبحت أحد أهم القضايا التي تؤرق الناخبين الألمان. فالعمليات الإرهابية الأخيرة التي نفذها مهاجرون تعمق الأزمة وتدفع الجمهور نحو التأييد للأحزاب المتشددة، مثل حزب "البديل من أجل ألمانيا"، الذي يتبنى سياسة "الترحيل الجماعي" للمهاجرين غير الشرعيين. وفي الوقت ذاته، فإن مرز يحاول استعادة ثقة الناخبين حول سياسة الهجرة، رغم قراراته المثيرة للجدل، مثل تحالفه مع حزب "البديل من أجل ألمانيا" لتمرير قرارات شديدة الصرامة بشأن الهجرة.
ومن ناحية أخرى، فإن مرز يواجه ضغوطًا مالية كبيرة، حيث ظل ملتزمًا بما يُسمى "فرامل الديون"، وهو حظر دستوري على الإنفاق العجز في معظم الحالات. لكن مع الضغوط الكبيرة التي تواجهها البلاد في مجال الدفاع والبنية التحتية، يتعين على مرز أن يعيد النظر في هذه السياسة، حيث ستكون البلاد بحاجة إلى تجاوز بعض القيود المالية لتلبية احتياجاتها العسكرية والدفاعية.
ويعتمدالمستقبل السياسي لألمانيا على قدرة مرز على معالجة هذه التحديات بنجاح. ورغم أن الأحزاب الرئيسية قد استبعدت التعاون مع حزب "البديل من أجل ألمانيا"، إلا أن أي فشل في إدارة القضايا الرئيسية قد يمنح الحزب فرصة كبيرة لاستغلال الوضع وصعوده في المستقبل.