في كل زاوية من زوايا الأرض، قامت صروح شاهقة تنطق بالجلال، وتعكس نور الإيمان، وتُردد أصداء التكبير والتهليل. إنها المساجد والجوامع، بيوت الله التي جمعت القلوب، ووحدت الصفوف، واحتضنت أرواحًا وجدت فيها السكينة والطمأنينة.
وفي هذا الشهر المبارك، شهر رمضان، حيث تصفو الأرواح وتسمو النفوس، نأخذكم في رحلة روحانية عبر الزمان والمكان، لنطوف بكم حول أجمل وأعظم الجوامع والمساجد في العالم، من قلب الحرمين الشريفين، إلى مآذن الأندلس الشامخة، ومن سحر مساجد إسطنبول العتيقة إلى عبق التاريخ في مساجد المغرب العربي، سنعيش معًا حكاياتٍ من الجمال المعماري، والتاريخ العريق، والمواقف الإيمانية الخالدة.
وعبر بوابة «دار الهلال» خلال أيام شهر رمضان الكريم، لعام 1664 هجريًا / مارس 2025 ميلادي، نستعرض معكم أحد أشهر المساجد، والجوامع التاريخية في دول العالم الإسلامي، والدول العربية، حيث يجتمع الفن والهندسة والإيمان في لوحات تأسر القلوب، وتروي قصصًا من العظمة والروحانية، في ليالي رمضان المباركة.
ونتناول اليوم ثاني أيام رمضان المبارك 1446هـ/ 2مارس 2025.. الْمَسْجِدُ النَّبَوِيّ.. موطن النور ودار الهجرة
الْمَسْجِدُ النَّبَوِيّ أو الحَرَمُ النَّبَوِيّ أو مَسْجِدُ النَّبِيّ أحد أكبر المساجد في العالم وثاني أقدس موقع في الإسلام ، بعد المسجد الحرام في مكة المكرمة وهو المسجد الذي بناه النبي محمد في المدينة المنورة بعد هجرته سنة هـ الموافق 622 بجانب بيته بعد بناء مسجد قباء.
و للْمَسْجِدُ النَّبَوِيّ دور كبير في الحياة السياسية والاجتماعية، فكان بمثابة مركزٍ اجتماعيٍّ، ومحكمة، ومدرسة دينية، ويقع المسجد في وسط المدينة المنورة، ويحيط به العديد من الفنادق والأسواق القديمة القريبة، وكثير من الناس الذين يؤدون فريضة الحج أو العمرة يقومون بزيارته، وزيارة قبر النبي محمد للسلام عليه.
فضائل المسجد النبوي
ورد كثير من الأحاديث النبوية عند المسلمين تبيّن فضل المسجد النبوي، ومكانته عندهم، ومن ذلك:
- إنه هو المسجد المذكور في الآية: ﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ وذلك حَسَبَ كثير من المفسرين، ويستدلون بما رواه أبي سعيد الخدري قال: «دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت بعض نسائه فقلت: يا رسول الله أي المسجدين الذي أسس على التقوى؟ قال: فأخذ كفا من حصباء فضرب به الأرض، ثم قال: هو مسجدكم هذا (يقصد مسجد المدينة)».
- أنه أحد المساجد الثلاثة التي لا يجوز شدّ الرحال إلى مسجد إلا إليها، فعن أبي سعيد الخدري، عن النبي محمد قال: «لا تُشَدُّ الرحالُ إلا إلى ثلاثةِ مساجدَ: مسجدِ الحرامِ، ومسجدِ الأقصَى، ومسجدي هذا
- الصلاة فيه تعدل 1000 صلاة في غيره، فعن أبي هريرة عن النبي محمد قال: «صلاةٌ في مسجدي هذا، خيرٌ من ألفِ صلاةٍ في غيرِه من المساجدِ، إلا المسجدَ الحرامَ».
- فيه جزء يُسمى بـ «الروضة المباركة»، يقول فيها النبي محمد: «ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي.
- أنه خير مكان يقصده الناس، وفيه قال النبي محمد: «خيرُ ما رُكبَت إليهِ اَلرَّوَاحِل مسجدي هذا والبيت العتيق».
- أن من جاءه بهدف التعلم فهو كالمجاهد في سبيل الله، قال النبي محمد: «من جاء مسجدي هذا لم يأته إلا لخير يتعلّمه أو يعلّمه فهو بمنزلة المجاهدين في سبيل الله، ومن جاء بغير ذلك فهو بمنزلة الرجل ينظر إلى متاع غيره».
- أنه من صلّى فيه 40 يوماً كُتبت له النجاة من النار، رُوي عن أنس بن مالك أن النبي محمد قال: «من صَلَّى في مسجدي أربعين صلاةً لا تفوته صلاةٌ كُتِبت له براءةٌ من اَلنَّار وبراءةٌ من العذاب وبرِئ من اَلنِّفَاق» ولكنه يعتبر من الأحاديث الضعيفة.
توسعات الْمَسْجِدُ النَّبَوِيّ
مرّ الْمَسْجِدُ النَّبَوِيّ بعدّة توسعات عبر التاريخ، مرورًا بعهد الخلفاء الراشدين والدولة الأموية فالعباسية والعثمانية، وفي عهد الدولة السعودية حيث تمت توسعة كبرى عام 1994 هجريًا.
الحجرة النبوية الشريفة
وبعد التوسعة التي قام بها عمر بن عبد العزيز عام 91 هـ أُدخِل فيه حجرة عائشة، زوجة رسول الله، والمعروفة حاليا بـ «الحجرة النبوية الشريفة»، التي تقع في الركن الجنوبي الشرقي من المسجد، والمدفون فيها النبي محمد صثلى الله عليه وسلم، والصحلبي الجليل أبو بكر الصديق، وأمير المؤمنين الصحابي عمر بن الخطاب، رضي الله عنهما، وبُنيت عليها القبة الخضراء التي تُعد من أبرز معالم المسجد النبوي.
أعمال التوسعة الجديدة
وتم تدشين أعمال التوسعة الجديدة ووضع حجر الأساس لأعمالها في 8 ذو القعدة 1433هـ/24 سبتمبر 2012م، وتم إخلاء وإزالة 100 عقار من العقارات الواقعة في نطاقها بعد تعويض أصحابها، مقسمة بين الجهتين الشرقية والغربية للمسجد النبوي الشريف.
ومثلت التوسعة السعودية الثالثة للمسجد النبوي الشريف، هي الزيادة الجغرافية والمعمارية التي وجّه بها ووضع حجر أساسها الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، واستكملها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وهي أكبر توسعة للمسجد النبوي على مَرِّ التاريخ والعصور الإسلامية، وبنهايتها تتضاعف الطاقة الاستيعابية للمسجد النبوي من مليون مُصلٍ، إلى 1.8 مليون مُصلٍ
ويعتبر الْمَسْجِدُ النَّبَوِيّ أول مكان في شبه الجزيرة العربية يتم فيه الإضاءة عن طريق استخدام المصابيح الكهربائية عام 1327 هـ الموافق 1909م