في تصعيد جديد بعد انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق الهدنة في غزة، قرر الاحتلال الإسرائيلي منع إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، في خطوة أثارت ردود فعل عربية ودولية رافضة لما لها من تداعيات خطيرة على الداخل الفلسطيني في قطاع غزة، الذي يعاني من تدمير البنية التحتية وانهيار شديد جراء العدوان الإسرائيلي الذي استمر لأكثر من 15 شهرًا.
وأدانت مصر القرار الصادر عن الحكومة الإسرائيلية بوقف إدخال المساعدات الإنسانية القطاع غزة وغلق المعابر المستخدمة في أعمال الإغاثة الإنسانية، مؤكدة أن تلك الإجراءات تعد انتهاكا صارخا لاتفاق وقف إطلاق النار والقانون الدولي الإنساني واتفاقية جنيف الرابعة وكافة الشرائع الدينية.
وشددت مصر على عدم وجود أي مبرر أو ظرف أو منطق يمكن أن يسمح باستخدام تجويع المدنيين الأبرياء وفرض الحصار عليهم، لاسيما خلال شهر رمضان كسلاح ضد الشعب الفلسطيني، مطالبة المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته لوقف جميع الممارسات غير الشرعية وغير الإنسانية التي تستهدف المدنيين وإدانة محاولات تحقيق الأغراض السياسية من خلال تعريض حياة الأبرياء للخطر.
منع إدخال المساعدات لغزة
وزعم وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، أن هدف قرار الاحتلال "هو انهيار حماس أو خضوعها وإعادة المحتجزين هو خطوة في الاتجاه الصحيح، فتح أبواب الجحيم"، على حد وصفه،
وأعلنت رئاسة الوزراء الإسرائيلية قرار بنيامين نتنياهو بوقف إدخال كل البضائع والإمدادات إلى قطاع غزة، ابتداءً من صباح أمس الأحد، بسبب رفص حركة حماس مقترح المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف، والذي ينص على وقف مؤقت لإطلاق النار في غزة خلال شهر رمضان وعيد الفصح اليهودي مقابل الإفراج عن نصف الأسرى الأحياء وجثامين القتلى في اليوم الأول، والإفراج عن البقية إذا تم التوصل إلى اتفاق وقف دائم، وهو المقترح الذي رفضته حركة حماس
ونقلت القناة 12 الإسرائيلية، أمس، عن مصادر، بأن تل أبيب قررت عدم استئناف الحرب على قطاع غزة خلال الأيام المقبلة، وإتاحة المجال للمفاوضات.
تحذيرات من تداعيات الموقف
حذرت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية، من مخاطر قرار الاحتلال منع إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، ونتائجه الكارثية في ظل المعاناة المستفحلة في القطاع خاصة في شهر رمضان المبارك.
وأكدت رفضها تسييس المساعدات واستخدامها كورقة ابتزاز من شأنها أن تُعمق من معاناة أكثر من مليونيْ فلسطيني فوق معاناتهم العميقة أصلا بسبب حرب الإبادة والتهجير.
وطالبت الوزارة، المجتمع الدولي والأطراف كافة، بتحمل مسؤولياتهم لإجبار الحكومة الإسرائيلية على إدخال المساعدات إلى قطاع غزة بشكل مستدام، ومنعها من استخدام آلام الفلسطينيين وتوظيفها للجوع كسلاح لفرض شروطها السياسية.
جريمة حرب
ويقول الدكتور حسن سلامة، أستاذ العلوم السياسية، إن سياسة التجويع التي تمارسها إسرائيل بحق الفلسطينيين تُعد جريمة حرب مكتملة الأركان، حيث تواصل تل أبيب فرض الحصار والتجويع بصورة واضحة وفجة، في انتهاك صارخ للقوانين الدولية واتفاقيات جنيف.
وأوضح في تصريح لبوابة "دار الهلال"، أن هذه الممارسات تمثل خرقًا لاتفاق وقف إطلاق النار، مما يعكس غياب الإرادة الحقيقية لتنفيذ باقي مراحل الاتفاق، مضيفا أن المرحلتين الثانية والثالثة من الاتفاق مرهونتان بانسحاب إسرائيلي من قطاع غزة ومحور فيلادلفي، وهو الأمر الذي ترفضه إسرائيل بزعم الحفاظ على أمنها.
وأكد أن هذا الموقف الإسرائيلي يُفشل أي تقدم نحو الحل السياسي القائم على حل الدولتين، مضيفا أن "إسرائيل تضرب عرض الحائط بالقانون الدولي، فمن الذي سيجبرها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، فالمشهد يبدو سوداويًا بدرجة كبيرة، إذ لا توجد أي ضغوط فعلية على إسرائيل، بل على العكس، تحظى بدعم أمريكي مستمر".
وأشار إلى أن هناك صفقات أسلحة بلغت قيمتها 12 مليار دولار، قدمتها الولايات المتحدة الأمريكية للاحتلال خلال الأيام القليلة الماضية، ذا بخلاف التصريحات السياسية التي تمنح حكومة نتنياهو حرية مطلقة في التصرف والانتقال من المرحلة الأولى إلى الثانية من الاتفاق أو لا ينتقل، بما في ذلك التلاعب بآليات تنفيذ الاتفاق.
وأكد وجود مخطط إسرائيلي لفرض هدنة مؤقتة خلال شهر رمضان وفقا لخطة ويتكوف المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، في محاولة للالتفاف على الاتفاق الأساسي، حتى تستعيد إسرائيل محتجزيها لدى قطاع غزة قبل أن تعاود عدوانها مجددًا.
وحذّر من التصريحات الإسرائيلية المستفزة حول نيتها استئناف العدوان في أي لحظة، مؤكدًا أننا أمام جريمة تطهير عرقي متواصلة تشمل قطاع غزة والضفة الغربية، إلى جانب التوسع الاستيطاني في القدس الشرقية.
وشدد سلامة على أن مواجهة هذه الخطى والتعنت الإسرائيلي، يعتمد على عاملين رئيسيين، أولا إنهاء الانقسام الفلسطيني، باعتباره خطوة ضرورية لتقوية الموقف التفاوضي، مضيفا أن العامل الثاني هو الدور المصري لأن المفاوض المصري هو الأكثر خبرة ومصداقية ومعرفة بهذا الأمر ومر بالكثير من المواقف التي استطاع التعامل معها.
وأشار إلى أن القمة العربية الطارئة التي ستعقد غدا يعول عليها في اتخاذ موقف عربي موحد، وتحقيق الدعم العربي الفاعل، الذي يمكن من خلاله فرض جدول زمني واضح لتحقيق حل عادل وشامل، مشددا على أن الجهود الدبلوماسية يجب أن تتركز على تحقيق وحدة الموقف العربي والفلسطيني.
انتهاك صارخ
ومن جانبه قال اللواء سمير فرج، الخبير الاستراتيجي، إن قرار الاحتلال منع دخول المساعدات لقطاع غزة هو جريمة ضد الإنسانية بهدف اعتماد سياسة التجويع ضد أهالي قطاع غزة الذين عانوا الويلات بسبب العدوان الإسرائيلي الذي استمر لأكثر من 15 شهرًا.
وأوضح في تصريح لبوابة "دار الهلال"، أن الهدف من القرار الإسرائيلي بمنع المساعدات الضغط على حركة حماس من أجل تسليم كل الأسرى الإسرائيليين، في ظل ما يعانيه قطاع غزة من أوضاع إنسانية ومعيشية صعبة، وحلول شهر رمضان المبارك والأجواء شديدة البرودة وما يمثله ذلك من ضغوط على أهالي غزة.
وأضاف أن مصر رفضت هذا الإجراء وأدانته باعتباره انتهاكا صارخا لاتفاق وقف اطلاق النار والقانون الدولي الإنساني وكذلك رفضته العديد من الدول العربية والمنظمات الدولية، مشيرا إلى أن القمة العربية الطارئة غدا ستناقش كل هذه التداعيات لبحث التعامل مع التهديدات الراهنة التي تحيط بالقضية الفلسطينية وتحقيق الإجماع العربي لمواجهتها.
تعطيل اتفاق الهدنة
ومن جانبه، أكد الدكتور محمد عبد العظيم الشيمي، أستاذ العلاقات الدولية، أن قرار إسرائيل بمنع دخول المساعدات إلى غزة يأتي في سياق ضغوط مستمرة تمارسها تل أبيب منذ الإعلان عن اتفاق الهدنة بين إسرائيل وحركة حماس، وعدم الوضوح في اتخاذ الخطوات التالية، مضيفا أن هذه الضغوط تُستخدمها إسرائيل دائمات كأداة للالتفاف على الاتفاق، إما لتعطيل تنفيذ مراحله اللاحقة أو لعرقلة أي تقدم نحو وقف إطلاق النار بشكل شامل أو وجود آلية يمكن تنفيذها لدعم عملية السلام في الشرق الأوسط.
وأشار الشيمي في تصريح لبوابة "دار الهلال"، إلى أن إسرائيل تسعى إلى تأجيل أو تعطيل تنفيذ الاتفاقية، خاصة مع تراجع الضغوط الداخلية عليها بعد الإفراج عن بعض المحتجزين، مضيفا أن المضي قدمًا في تنفيذ الاتفاق بات عبئًا على الخطط الإسرائيلية التي تهدف إلى إعادة رسم الحدود في منطقة الشرق الأوسط، إضافة إلى رغبة الاحتلال في ضم أجزاء من الضفة الغربية وقطاع غزة في المستقبل القريب.
وأوضح أن استمرار الهدنة ليس مضمونًا حتى في مراحلها المقبلة، إذ لا توجد ضمانات حقيقية تضمن تنفيذ الاتفاق حتى النهاية، مؤكدا أن إسرائيل قد تلجأ إلى تنفيذ مخطط أوسع يهدف إلى احتواء الضفة الغربية وغزة والاستحواذ عليهم، في محاولة لتصفية القضية الفلسطينية بما يتماشى مع رؤية اليمين الإسرائيلي المتطرف.