الخميس 6 مارس 2025

ثقافة

مساجد حول العالم (5 _ 30)| «قُبَاء».. قبسُ الهجرة ومسجد البشارة

  • 5-3-2025 | 13:22

مسجد قُباء

طباعة
  • همت مصطفى

في كل زاوية من زوايا الأرض، قامت صروح شاهقة تنطق بالجلال، وتعكس نور الإيمان، وتُردد أصداء التكبير والتهليل. إنها المساجد والجوامع، بيوت الله التي جمعت القلوب، ووحدت الصفوف، واحتضنت أرواحًا وجدت فيها السكينة والطمأنينة.

وفي هذا الشهر المبارك، شهر رمضان، حيث تصفو الأرواح وتسمو النفوس، نأخذكم في رحلة روحانية عبر الزمان والمكان، لنطوف بكم حول أجمل وأعظم الجوامع والمساجد في العالم، من قلب الحرمين الشريفين، إلى مآذن الأندلس الشامخة، ومن سحر مساجد إسطنبول العتيقة إلى عبق التاريخ في مساجد المغرب العربي، سنعيش معًا حكاياتٍ من الجمال المعماري، والتاريخ العريق، والمواقف الإيمانية الخالدة.

 وعبر بوابة «دار الهلال» خلال أيام شهر رمضان الكريم، لعام 1664 هجريًا /  مارس 2025 ميلادي، نستعرض معكم أحد أشهر المساجد، والجوامع التاريخية في دول العالم الإسلامي، والدول العربية، حيث يجتمع الفن والهندسة والإيمان في لوحات تأسر القلوب، وتروي قصصًا من العظمة والروحانية، في ليالي رمضان المباركة.


ونرتحل في خامس أيام رمضان المبارك 1446هـ/  5 مارس 2025 في جولة ورحلة إلى  مسجد «مَسْجِدُ قُبَاء».

يقع «مَسْجِدُ قُبَاء» في جنوب المدينة المنورة، وهو أول مسجد شُيّد في الإسلام، وتولَّى بناءه رسول الله ﷺ وصحابته الكرام، عندما مرَّ ﷺ بديار بني عمرو بن عوف وهو في طريق هجرته من مكة امكرمة إلى المدينة المنورة.

 ومَسْجِدُ قُبَاء هو أول مسجد أسس على التقوى، وأول مسجد بني في الإسلام، قال الله تعالى في سورة التوبة: « وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إنْ أَرَدْنَا إلاَّ الْحُسْنَى وَاللهُ يَشْهَدُ إنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالُ يُحِبُّونَ أنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ. (التوبة: 107-108).

وجاء في الحديث: «من تطهر في بيته وأتى مسجد قباء فصلّى فيه صلاة فله أجر عمرة»، وفي حديث آخر: «من خرج حتى يأتي هذا المسجد -يعني مسجد قباء- فصلّى فيه كان كعدل عمرة».

تسمية «مسجد قُباء»

قبا: أصله اسم بئر، وسُمّي المسجد بمسجد قباء نسبة إلى القرية التي مرَّ النبي ﷺ عليها، وبئرها التي عُرِفَت بها.

وذكر أبو عبد الله ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان أن قباء: أصله اسم بئر وعرفت القرية بها، وهي مساكن بني عمرو بن عوف، وسمى المسجد بمسجد قباء لأن النبي محمد في طريقه إلى المدينة مرَّ على ديار بني عمرو بن عوف وبنى بها مسجداً فسمي مسجد قباء.

وعن عبد الله بن عمر «رضي الله عنهما»   قال: كان النبي «صلى الله عليه وسلم» يأتي قباء يوم السبت راكبًا وماشيًا.

وكان النبي ﷺ هو أول من وضع حجرًا في قبلته؛ فكان يأتي بالحجر قد صهره إلى بطنه فيضعه فيأتي الرجل يريد أن يقله فلا يستطيع حتى يأمره أن يدعه ويأخذ غيره، ثم جاء أبو بكر بحجر فوضعه، ثم جاء عمر بحجر فوضعه إلى حجر أبي بكر.

موقع «مسجد قُباء»
يقع مَسْجِدُ قُبَاء في البقعة التاريخية المقدسة للمسلمين حيث بنى الرسول محمد، ﷺ في الأيام الأولى لهجرته إلى المدينة أول مسجد في تاريخ الإسلام في الجنوب الغربي من المدينة المنورة، يبعد المسجد مسافة 5/3 كيلو مترات عن المسجد النبوي الشريف، ويبعد أيضًا عن المسجد النبوي الشريف مقدار نصف ساعة بالمشي المعتدل.
 و لمسجد قُباء محراب ومنارة، ومنبر رخامي، وفيه بئر تنسب لأبي أيوب الأنصاري، وفيه مُصلّى النبي  «صلّى الله عليه وآله وسلم » ، وكان فيه مبرك الناقة.

تاريخ إنشاء«مسجد قُباء»
لما سمع المسلمون بالمدينة المنورة بخروج رسول الله ﷺ من مكة المكرمة، كانوا يخرجون كل يوم إلى الحرة أول النهار، فينتظرونه فما يردهم إلا حر الشمس، ولما وصل رسول الله  «صلّى الله عليه وآله وسلم »  قرية قباء في شهر ربيع الأول نزل في بني عمرو بن عوف بقباء على كلثوم بن الهدم وكان له مربد، فأخذه منه رسول الله ﷺ، وأسس مَسْجِدُ قُبَاء، وهو أول مسجد أسس على التقوى.
وكان ﷺ ينقل بنفسه الحجر والصخر والتراب مع صحابته، وقبال هذا المسجد قام المنافقون ببناء مسجد آخر، ودعوا رسول الله ﷺ ليصلي فيه، فنزل جبريل  «عليه السلام»  يحذر النبي  «صلّى الله عليه وآله وسلم»  منهم ومن كيدهم، ويقرأ عليه هذه الآيات: «لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى»  وعبّر القرآن عنه بأنه مسجد ضرار؛ فأمر النبي ﷺ بهدمه وإحراقه.
و اهتم المسلمون بمسجد قباء خلال العصور الماضية فجدده عثمان بن عفان، ثم عمر بن عبد العزيز الذي بالغ في تنميقه وجعل له رحبة وأروقة، ومئذنة وهي أول مئذنة تقام فيه، وفي سنة 435هـ جدده أبو يعلى الحسيني، وفي سنة 555هـ جدده جمال الدين الأصفهاني.
وجدد
مَسْجِد قُبَاء مرات عديدة، وسقطت منارته سنة 877 هـ، فجددها السلطان قايتباي سنة 881 هـ مع عمارة المسجد النبوي، وذُكر أن السلطان محمود خان العثماني جدده سنة 1240 هـ، وفي عهد الدولة العثمانية جدد عدة مرات آخرها في زمن السلطان عبد المجيد.
تجديدات وتوسعة «مسجد قُباء»

وفي العهد السعودي لقيّ مَسْجِد قُبَاء عناية كبيرة فرمم وجددت جدرانه الخارجية، وزيد فيه من الجهة الشمالية سنة 1388هـ، في عام 1405هـ أمر خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز بإعادة بنائه ومضاعفة مساحته عدة أضعاف مع المحافظة على معالمه التراثية بدقة، فهدم المبنى القديم وضمت قطع من الأراضي المجاورة من جهاته الأربع إلى المبنى الجديد، وامتدت التوسعة وأعيد بناؤه بالتصميم القديم نفسه، ولكن جعلت له أربع مآذن عوضًا عن مئذنته الوحيدة القديمة، كل مئذنة في جهة و بارتفاع 47 مترًا.

 رواق جنوبي وشمالي

وبني المسجد على شكل رواق جنوبي وآخر شمالي تفصل بينهما ساحة مكشوفة، ويتصل الرواقان شرقًا وغربًا برواقين طويلين، و يتألف سطحه من مجموعة من القباب المتصلة، منها 6 قباب كبيرة قطر كل منها 12 مترًا، و56 قبة صغيرة قطر كل منها 6 أمتار، وتستند القباب إلى أقواس تقف على أعمدة ضخمة داخل كل رواق، وكسيت أرض المسجد وساحته بالرخام العاكس للحرارة، وتظلل الساحة بمظلة آلية صنع قماشها من الألياف الزجاجية تطوى وتنشر حسب الحاجة.

مساحة المصلى  لـ «مسجد قُباء»

وبلغت مساحة المصلى وحده 5035 مترًا مربعًا، وبلغت المساحة التي يشغلها مبنى المسجد مع مرافق الخدمة التابعة له 13500 متر مربع، في حين كانت مساحته قبل هذه التوسعة 1600 متر مربع فقط، كما ألحق بالمسجد مكتبة ومنطقة تسويق لخدمة الزائرين.

أخبار الساعة