في أروقة التاريخ وإشراقة الحضارة، تتلألأ صور «نساء الإسلام» كنجومٍ سطعت في سماء الإيمان والعطاء، خلدهن إيمانهن و مواقفهن القوية دفاعًا عن ديننا الحنيف ينشدون ثواب الآخرة والهدى للبشرية كلها فتركن أثرًا كبيرًا محفوظًا في ذاكرتنا ووجداننا وهدى وبوصلة لنا في الطريق.
ومع بوابة «دار الهلال» في أيام شهر رمضان الكريم لعام 1446 هجريًا نقدم كل يوم حلقة من سلسلة «نساء في الإسلام» لتأخذنا إلى عمق النفوس، حيث تتجسد شجاعة المرأة وعزمها في مواجهة تقلبات الزمان، في كل حلقةٍ، نكتشف حكاياتٍ نسجت بخيوط العزيمة والإيمان، رسمت بمسحاتٍ من النور ملامح الحضارة الإسلامية هنا، يتلاقى الجمال الروحي مع القوة الإنسانية، وتنبثق من رحم التحديات أروع معاني التضحية والكرامة، لتكون المرأة ركيزة لا غنى عنها في بناء حضارتنا وإرثها العريق.
و لقاءنا اليوم في سادس أيام رمضان 1446 هجريًا.. 6 مارس 2025 ميلاديًا مع الصحابية.. الصحابية الجليلة رفيدة الأسلمية، أول طبيبة في الإسلام.
شاركت المرأة المسلمة في مختلف المهن والحرف منذ مرحلة صدر الإسلام، ولم تقتصر على عمل بذاته وكان للمرأة دور عظيم في مجالات عديدة ومن بين ذلك مجال الطب، فقد ساهمت رفيدة الأسلمية بمواقف عديدة من أجل الإسلام ونشره أبرزها أنها كانت تداوي الجرحى في ميادين القتال والحرب.
أطلق عليها «الفدائية" لأنها كانت تدخل أرض المعركة تحمل الجرحى وتُسعف المصابين وتُشجِّع المجاهدين بالحروب في صدر الإسلام، كما سميت أيضًا باسم «رفيدة الأنصارية» وقد بايعت الرسول بعد هجرته إلى المدينة المنورة واشتركت في غزوتَيْ الخندق وخَيْبر، وكانت قارئة، كاتبة، وصاحبة ثروة واسعة كانت تنفقها على عملها بالطب وتجاهد بمالها وجهدها ونفسها في سبيل الله ومن أجل الإسلام .
أول مستشفى ميداني في الإسلام
وكانت «رفيدة» تخرج في الغزوات، وتنقل معها خيمتها بكل متطلباتها وأدواتها واحتياجاتها فوق ظهور الجِمال، ثم تُقيمها بإزاء معسكر المسلمين، تشاركها العمل الصحابيات رضوان الله عليهن؛ لذا تعد خيمة رفيدة الأسلمية هي أول مستشفى ميداني في الإسلام .
وهبت «رفيدة» نفسها لله ورسوله، وكان لها مواقف مشهورة في الدفاع دينها وكانت تقوم بأداء واجبها نحو المسلمين في أتم صورة كما كانت لها مكانة ومنزلة عند رسول الله صلى عليه وسلم حيث كان يُجلها ويحترمها .
ويذكر عن طب السيرة النبوية أن رسول الله «صلى الله عليه وسلم » عندما أُصيب الصحابي الجليل سعد بن معاذ بسهم في غزوة الخندق ، أمر بإيداعه في خيمة «رفيدة » حتى يتمكن من زيارته والاطمئنان على حالته .
ويقول ابن الأثير -أحد أبرز المؤرخين المسلمين- إن رسول الله حين أصاب سعدًا السهم بالخندق قال لقومه: اجعلوه في خيمة رفيدة حتى أعوده من قريب فقد كانت رفيدة تداوي الجرحى ، وتحتسب بنفسها على خدمة من كانت به إصابة من المسلمين وكان رسول الله يمر به أي بسعد فيقول: كيف أمسيت ؟ وكيف أصبحت ؟ فيخبره .
وذكر الباحث والعالم والإمام ابن حجر العسقلاني في كتابه «الإصابة في تمييز الصحابة» كيف أنّ رفيدة الأسلمية عندما رأت انغراس السهم في صدر سعد تصرفت بحكمة ووعي فأسرعت بإيقاف النزيف، ولكنها أبقت السهم في صدره لأنها كانت تعلم أنها إذا سحبته أو أخرجته سيُحدث نزيفًا لا يتوقف من مكان الإصابة.
يذكر أن «رفيدة الأسلمية» اسمها غير الذي عرفت به «كعيبة بنت سعد الأسلمية »وهي من قبيلة أسلم واسمها مشتق من الرفد، وهو الإعانة والعطاء.