اسمٌ نقش بدمائه سطور البطولة، في ميادين العزة، يتجلى نضاله في الأفق، وسيظل راية عالية بين رايات المجد؛ فهو الذي جسّد في حياته ملحمةً وطنيةً من التضحية والشرف، كان فارسًا في قلب المعركة، يقتحم الصفوف غير آبهٍ بالمخاطر، يرسم بدمه خارطة الفداء، ويضرب أروع الأمثلة في القيادة الملهمة، كان عقلًا استراتيجيًا فذًّا، وقلبًا نابضا بحب الوطن، آمن أن القائد الحق هو من يخوض المعارك جنبًا إلى جنب مع جنوده، فكان أيقونةً للبسالة والإقدام، ورغم أن الشهادة كانت مصيره المحتوم، إلا أن ذكراه بقيت خالدةً في وجدان الأمة، تروي للأجيال قصة قائدٍ لم يمت، بل سطّر اسمه بحروفٍ من نور في صفحات التاريخ المشرّفة ليخلد اسمه مع ذكرى يوم الشهيد المصري، إنه صاحب لقب «الجنرال الذهبي» متفردًا.. الفريق عبد المنعم رياض.
الفريق أول عبد المنعم رياض واحدًا من أشهر العسكريين العرب في النصف الثاني من القرن العشرين، هو رئيس أركان القوات المسلحة المصرية سابقا، فشارك في الحرب العالمية الثانية ضد الألمان والإيطاليين بين عامي 1941 م و 1942م، وشارك في حرب فلسطين عام 1948م والعدوان الثلاثي عام 1956م، ونكسة 1967م وحرب الاستنزاف.
الميلاد والعائلة
ولد الفريق محمد عبد المنعم محمد رياض عبد الله في قرية سبرباي إحدى ضواحي مدينة طنطا محافظة الغربية في 22 أكتوبر 1919م، ونزحت أسرته إلى الفيوم، وكان جده المرحوم عبد الله طه على الرزيقى من أعيان الفيوم، وكان والده «العقيد» محمد رياض عبد الله قائد بلوكات الطلبة بالكلية الحربية والتي تخرجت على يديه الكثيرين من قادة المؤسسة العسكرية.
الدراسة والدرجات العلمية
درس عبد المنعم رياض في كتاب القرية وتدرج في التعليم، وبعد حصوله على الثانوية العامة من مدرسة الخديوى إسماعيل، التحق بكلية الطب بناء على رغبة أسرته، ولكنه بعد عامين من الدراسة فضل الالتحاق بالكلية الحربية التى كان متعلقًا بها، وتخرج فيها عام 1938 م برتبة ملازم ثان، ونال شهادة الماجستير في العلوم العسكرية عام 1944م وكان ترتيبه الأول، وأتم دراسته كمعلم مدفعية مضادة للطائرات بامتياز في إنجلترا عامي 1945 و 1946 م.
وأجاد عبد المنعم رياض، عدة لغات منها الإنجليزية والفرنسية والألمانية والروسية، وانتسب وهو برتبة فريق، إلى كلية العلوم لدراسة الرياضيات البحتة، كما انتسب إلى كلية التجارة لإيمانه بأن الاستراتيجية هي الاقتصاد.
وأتم دراسته بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، وحصل على زمالة كلية الحرب العليا عام 1966م في عامي 1962 و1963م، اشترك وهو برتبة لواء في دورة خاصة بالصواريخ بمدرسة المدفعية المضادة للطائرات حصل في نهايتها على تقدير الامتياز.
محطات في حياته العسكرية
وعين عبد المنعم رياض فريقًا، بعد تخرجه في سلاح المدفعية، في عام 1941م، وألحق بإحدى البطاريات المضادة للطائرات في المنطقة الغربية، حيث اشترك في الحرب العالمية الثانية ضد ألمانيا وإيطاليا.
وخلال عامي 1947 – 1948م عمل في إدارة العمليات والخطط في القاهرة، وكان همزة الوصل والتنسيق بينها وبين قيادة الميدان في فلسطين، ومنح وسام الجدارة الذهبي لقدراته العسكرية التي ظهرت آنذاك.
في عام 1951م تولى الفريق عبد المنعم رياض قيادة مدرسة المدفعية المضادة للطائرات وكان وقتها برتبة مقدم، وفي عام 1953م عين قائدا للواء الأول المضاد للطائرات في الإسكندرية، ومن يوليو 1954م وحتى أبريل 1958 م تولى قيادة الدفاع المضاد للطائرات في سلاح المدفعية.
بعثة إلى الاتحاد السوفيتي
وفي 9 أبريل 1958م سافر في بعثة تعليمية إلى الاتحاد السوفيتي لإتمام دورة تكتيكية تعبوية في الأكاديمية العسكرية العليا، وأتمها في عام 1959 بتقدير امتياز ولقب هناك بـ «الجنرال الذهبي».
عام 1960م بعد عودته شغل منصب رئيس أركان سلاح المدفعية، وفي عام 1961م، نائب رئيس شعبة العمليات برئاسة أركان حرب القوات المسلحة وأسند إليه منصب مستشار قيادة القوات الجوية لشؤون الدفاع الجوي.
في عامى 1962 و1963م اشترك وهو برتبة لواء في دورة خاصة بالصواريخ بمدرسة المدفعية المضادة للطائرات حصل في نهايتها على تقدير الامتياز، وفى عام 1964 عين رئيسًا لأركان القيادة العربية الموحدة.
ورقى في عام 1966م إلى رتبة فريق، وأتم في السنة نفسها دراسته بأكاديمية ناصر العسكرية العليا، وحصل على زمالة كلية الحرب العليا.
أوسمة ونياشين
حصل الفريق عبد المنعم رياض على العديد من الأنواط والأوسمة ومنها ميدالية الخدمة الطويلة والقدوة الحسنة ونوط الجدارة الذهبية ووسام الأرز الوطني بدرجة ضابط كبير من لبنان ووسام الكوكب الأردني طبقة أولى ووسام نجمة الشرق.
فى مايو 1967م وبعد سفر الملك حسين للقاهرة للتوقيع على اتفاقية الدفاع المشترك عين الفريق عبد المنعم رياض قائدا لمركز القيادة المتقدم في عمان، فوصل إليها في الأول من يونيو 1967م مع هيئة أركان صغيرة من الضباط العرب لتأسيس مركز القيادة.
وحينما اندلعت حرب 1967م عين الفريق عبد المنعم رياض قائدا عاما للجبهة الأردنية، وفي 11 يونيو 1967م اختير رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة المصرية فبدأ مع وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة الجديد حينذاك الفريق أول محمد فوزي إعادة بنائها وتنظيمها، وفي عام 1968م عين أمينًا عامًا مساعدًا لجامعة الدول العربية.
انتصارات عسكرية
حقق عبد المنعم رياض انتصارات عسكرية في المعارك التي خاضتها القوات المسلحة المصرية خلال حرب الاستنزاف مثل معركة «رأس العش» التي منعت فيها قوة صغيرة من المشاة سيطرة القوات الإسرائيلية على مدينة بورفؤاد المصرية الواقعة على قناة السويس وذلك في آخر يونيو 1967م، وتدمير المدمرة الإسرائيلية «إيلات» في 21 أكتوبر 1967م وإسقاط بعض الطائرات الحربية الإسرائيلية خلال عامي 1967م و 1968م
أشرف على الخطة المصرية لتدمير «خط بارليف»، خلال حرب الاستنزاف، ورأى أن يشرف على تنفيذها بنفسه وتحدد يوم السبت 8 مارس 1969 م موعدًا لبدء تنفيذ الخطة، وفي التوقيت المحدد انطلقت نيران المصريين على طول خط الجبهة لتكبد الإسرائيليين أكبر قدر من الخسائر في ساعات قليلة وتدمير جزء من مواقع خط بارليف وإسكات بعض مواقع مدفعيته في أعنف اشتباك شهدته الجبهة قبل معارك 1973 م
رحيل واستشهاد الجنرال الذهبي
وفي صبيحة اليوم التالي الأحد 9 مارس 1969م قرر عبد المنعم رياض أن يتوجه نفسه إلى الجبهة ليرى عن كثب نتائج المعركة ويشارك جنوده في مواجهة الموقف، وقرر أن يزور أكثر المواقع تقدما التي لم تكن تبعد عن مرمى النيران الإسرائيلية سوى 250 مترًا ، ووقع اختياره على الموقع رقم 6 وكان أول موقع يفتح نيرانه بتركيز شديد على دشم العدو في اليوم السابق.
وشهد هذا الموقع الدقائق الأخيرة في حياة الفريق عبد المنعم رياض، حيث انهالت نيران العدو فجأة على المنطقة التي كان يقف فيها وسط جنوده واستمرت المعركة التي كان يقودها الفريق عبد المنعم بنفسه حوالي ساعة ونصف الساعة إلى أن انفجرت إحدى طلقات المدفعية بالقرب من الحفرة التي كان يقود المعركة منها ونتيجة للشظايا القاتلة وتفريغ الهواء توفي عبد المنعم رياض بعد 32 عاما قضاها عاملا في الجيش متأثرا بجراحه.
ثمار الرحلة .. أكبر وسام عسكري في مصر
ونعى الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الفريق عبد المنعم رياض، ومنحه رتبة الفريق أول ونجمة الشرف العسكرية، وهي أكبر وسام عسكري في مصر، وخصص يوم 9 مارس من كل عام هو يوم الشهيد تخليدا لذكراه.
وأطلق اسم الفريق عبد المنعم رياض على أحد الميادين الشهيرة بوسط القاهرة بجوار ميدان التحرير، ووضع به نصب تذكاري للفريق، أطلق اسمه على أحد شوارع المهندسين وأكبر شارع بمدينة بلبيس في محافظة الشرقية، ووضع نصب تذكاري له بميدان الشهداء في محافظة بورسعيد والإسماعيلية ومحافظة سوهاج.
سُمّيت باسم الفريق عبد المنعم رياض، إحدى المدارس الابتدائية التابعة للأزهر الشريف بمنطقة الإبراهيمية بالأسكندرية، كما سُمّيت باسمه مدرسة إعدادية للبنين في مدينة دمنهور بمحافظة البحيرة، وأسس له مسجد كبير في مدينة الغردقة كما سُمّيت باسمه العديد من المدارس والشوارع والأماكن الهامة الأخرى.
وأطلق اسم الفريق عبد المنعم رياض على أحد شوارع العاصمة الأردنية عمان، ومحافظة الزرقاء في المملكة الأردنية الهاشمية، وأطلق اسمه على أحد الشوارع الرئيسية بدولة الكويت في محافظة العاصمة، بالتقاطع مع شارع مبارك الكبير وشارع خالد بن الوليد، وأطلق اسمه على أحد الشوارع في مدينة بنغازي في ليبيا، وأسس له مسجد كبير في مدينة الإسكندرية.
سُمّيت باسم الفريق عبد المنعم رياض إحدى المدارس الثانوية في ريف دمشق، سوريا، وأسس له العديد من المساجد باسمه في الكثير من محافظات ومراكز مصر من بينها مسجد عبد المنعم الرياض في مدينة أبوتيج، وهو أقدم من مسجد التوحيد بنفس المدينة في شارع النيل الذي أسسه الشريف حسين شحاته أحمد شحاته آل عمار الحسيني.
أسطورةٍ تُروى للأجيال
ورحل الفريق عبد المنعم رياض جسدًا، لكنه بقي خالدًا في ذاكرة الوطن رمزًا للفداء والتضحية، لم يكن استشهاده في ساحة القتال خسارةً بقدر ما كان ميلادًا لأسطورةٍ تُروى للأجيال، وتُخلّد في سجل الشرف العسكري المصري، ومنذ ذلك اليوم، بات التاسع من مارس يحمل اسمه، عيدًا لشهداء مصر الأبرار، ليكون يوم الشهيد شاهدًا على بطولاته، ومرآةً تعكس روح الفداء التي زرعها في نفوس جنوده.
لقد علّمنا الجنرال الذهبي الفريق عبد المنعم رياض أن الشهادة ليست نهاية، بل امتدادٌ لمسيرة العزة والكرامة، وأن القائد الحقيقي هو من يعيش في قلوب شعبه، ليس بكلماته، بل بأفعاله التي تبقى منارةً تهتدي بها الأجيال، رحم الله عبد المنعم رياض وجميع شهداء الوطن، وأسكنهم فسيح جناته، فهم أحياء عند ربهم يرزقون، وفي قلوبنا وعقولنا هم باقون.