جاء إعلان مصر عن خطة واضحة متكاملة لإعمار غزة ليضع الأطراف الدولية والإقليمية أمام مسئولياتهم تجاه مستقبل المنطقة و القضية الفلسطينية التى تعد اقدم قضايا الشرق الأوسط بأبعادها السياسية والإنسانية.
و تؤمن مصر أن الانتصار للسلام هو رسالتها وقدرها عبر الزمان مثلما تؤمن أن عناية الله تساند دوماً جهودها وتلهمها الحكمة والقوة وهى تواجه بشرف وأمانة وشموخ كافة التحديات في لحظة تاريخية فارقة، وفي نظام عالمي جديد يتغير بنيانه.
و سرعان ما انعقدت القمة العربية فى ضيافة مصر لتعلن دعمها للخطة المصرية "خطة التعافي المبكر وإعادة الإعمار وتنمية غزة" فتتحول لخطة عربية ثم إسلامية .. قبل أن تتوالى رسائل الدعم من أوروبا شمالاً وإفريقيا جنوباً وآسيا شرقاً.
فمن منطلق حرص القيادة المصرية على الأمن والاستقرار الإقليميين، سعت مصر منذ اليوم الأول للحرب على غزة إلى التوصل لوقف لإطلاق النار.
ويوماً بعد يوم تكتسب الخطة المصرية لإعمار غزة قوة دفع جديدة تجعلها القاعدة المتكاملة الوحيدة القابلة للتطبيق.
ورصدت وكالة أنباء الشرق الأوسط، على مدار الأيام الماضية مؤشرات على جاهزية عربية وأوروبية ودولية لدعم الخطة المصرية ومؤشرات متوازية على انفتاح أمريكي على التعاطي معها .. فمصر طرحت هذه الخطة على القمة العربية وتم اعتمادها كخطة عربية متكاملة، جرى اعتمادها خلال اجتماع منظمة التعاون الاسلامى بجدة، وأعلنت العديد من الدول الغربية وكذلك الممثلة العليا للشؤون السياسية والأمنية بالاتحاد الأوروبي ورئيس المجلس الاوروبي بشكل رسمي تأييدها ودعمها للخطة، وكذا الامين العام للامم المتحدة.. كما أعلن وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا، أنهم يدعمون الخطة العربية لإعادة إعمار غزة التي ستتكلف 53 مليار دولار وتتجنب تهجير سكان القطاع.
وقال الوزراء -في بيان مشترك- "تظهر الخطة مسارا واقعيا لإعادة إعمار غزة وتتعهد، إذا تم تطبيقها، بتحسين سريع ومستدام للظروف المعيشية الكارثية للفلسطينيين الذين يعيشون في غزة".
كما رحبت البرتغال بالخطة وأعربت عن استعدادها، بالتعاون مع شركائها العرب والأوروبيين، لدعم الجهود الدولية الرامية إلى تحقيق سلام دائم، مع احترام القانون الدولي.
كما رحبت ايرلندا أيضا بخطة إعادة الإعمار في قطاع غزة حيث قال نائب رئيس الوزراء "سايمون" إنّ هذه المبادرة توفر مسارًا عمليًا لإعادة الإعمار، مشددًا على ضرورة أن تستند إلى إطار يضمن تحقيق الاستقرار والسلام الدائم.. كاشفا عن أنَّ بلاده تعمل بشكل وثيق مع شركائها في الاتحاد الأوروبي والمنطقة لدعم تنفيذ هذه المبادرة.
و هكذا .. تؤكد الأوساط الدبلوماسية أن خطة إعمار غزه بدأت مصرية وانتقلت لتصبح عربية، ونحن الآن فى إطار أن تتبلور لتصبح خطة دولية، حيث إن مصر حريصة على حشد الدعم الدولي للخطة.
و تواصل الدبلوماسية المصرية تحركاتها من أجل حشد الدعم الدولى للخطة، حيث يحرص وزير الخارجية والهجرة الدكتور بدر عبد العاطي خلال اتصالاته وزياراته ولقاءاته المكثفة والمعمقة مع المسئولين الدوليين ووزراء الخارجية على اطلاعهم على التحركات المصرية لتثبيت وقف إطلاق النار فى غزة وعلى الخطة العربية الإسلامية لإعادة إعمار القطاع، وكان آخرها مشاركة السيد الوزير مع وزراء خارجية قطر والسعودية والأردن ووزير الدولة بالخارجية الإماراتية وأمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية فى اجتماع بالدوحة مع المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط "ستيفين ويتكوف" بالعاصمة القطرية الدوحة لمناقشة تطورات الوضع فى قطاع غزة وتناول أطراف الاجتماع الخطة العربية لإعادة إعمار غزة التى أقرتها القمة العربية غير العادية فى القاهرة.
كما التقى الدكتور بدر عبد العاطى فى اليوم نفسه مع كل من "ستيفين ويتكوف" المبعوث الأمريكى للشرق الأوسط و"اريك تريجر" منسق الشرق الأوسط بمجلس الأمن القومى الأمريكى على هامش اجتماع الوزراء العرب مع المبعوث الأمريكى، واستعرض مراحل وتفاصيل الخطة العربية لإعادة إعمار غزة التى أقرتها القمة العربية غير العادية فى القاهرة فى 4 مارس، واتفقا على مواصلة التشاور والتنسيق بشأنها كأساس لجهود إعادة إعمار القطاع.
و تؤكد الدبلوماسية المصرية على أن الخطة المصرية التي باتت مدعومه عربيه وإسلاميا واوروبيا هى خطة متكاملة شاملة للتعافي المبكر وإعادة إعمار وتنمية قطاع غزة تنفذ مع الشعب الفلسطينى ومن أجله تؤكد أن غزة تستحق مستقبل آمن ومزدهر ومستدام ويحمل الأمل للفلسطينيين، مستقبل يشكل بداية تنبىء بعهد جديد من الازدهار والأمن لغزة والفلسطينيين.
و تقع الخطة من حوالي ١٠٠ صفحة تشمل أدق التفاصيل والمعلومات الخاصة بالقطاع، كما انه وإلى جانب الخطة فهناك أيضا تقرير ملحق بها يتضمن منهجية ونطاق الخطة التى تستند فيها مصر فى هذا الإطار إلى خبرة متراكمة فى مسألة إعادة إعمار غزة حيث انه فى حلقات سابقة من العنف بين إسرائيل وحماس، ساهمت مصر بعدها فى إعادة إعمار القطاع.
و تصف التقارير الدولية الأوضاع فى غزة بأنها " كارثية" حيث يوجد ٢ر٢ مليون مواطن فلسطيني نازح، فضلا عن مقتل واصابة أكثر من ١٥٠ ألف شخص، وتدمير حوالى ٥٠ بالمائة من المستشفيات، وتدمير ٨٨ بالمائة من المدارس إما بشكل جزئي أو كامل، و٦٨ بالمائه من الأراضي الزراعية باتت غير صالحه للزراعة، وحوالى ٧٠ بالمائة من الطرق أصبحت غير مؤهلة للاستخدام.
وتنقسم الخطة المصرية إلى ثلاث مراحل، المرحلة الأولى "مرحلة التعافى المبكر" التى تصل تكلفتها التقديرية الى ثلاثة مليارات دولار .. وتمتد بحسب التصور المصري – الذى أصبح تصوراً عربياً واسلاميا – إلى ستة أشهر وتتضمن إزالة الركام والذى يبلغ حجمه التقديري نحو خمسين مليون طن .. والتصور ليس فقط فى إزالته ولكن فى استخدامه فى إعادة تدويره؛ وإزالة الذخائر الغير منفجرة.
وبالتوازي خلال المرحلة الأولى سيتم إدخال عشرات الآلاف من المنازل المتنقلة في شكل كارافانات وخيام والتى ستتيح إيواء مليون و٢٠٠ ألف فلسطيني، بالاضافة إلى اصلاح ٦٠ ألفاً من المنازل المتضررة.
وتركز المرحلة الثانية والثالثة من الخطة على إعادة الإعمار، حيث ان المستهدف خلال المرحلة الثانية – المقدر تنفيذها بعامين – بناء ٢٠٠ ألف وحدة سكنية دائمة واستكمال ازالة الذخائر غير المنفجرة، والبدء فى عملية البنية التحتية.. لافتة إلى ان المستهدف من المرحلة الثانية والثالثة بناء ٤٦٠ ألف وحدة سكنية (٢٠٠ ألف في المرحلة الثانية و٢٠٠ في الثالثة بالإضافة إلى ٦٠ الف وحدة من المنازل المتضررة) وذلك لاستيعاب مليونين و٧٠٠ الف فلسطيني.
كما سيتم فى الوقت نفسه إصلاح وتطوير البنية التحتية بما فى ذلك إقامة ميناء بحري تجاري وآخر للصيد، ومطار وإعادة شبكة الطرق بشكل كامل، المستشفيات والمدارس والوحدات الصحية وإصلاح حوالى ٢٠ ألف فدان من الأراضى الزراعية.
الخارطة التنفيذية الزمنية لخطة إعادة الإعمار
الخارطة التنفيذية الزمنية لخطة إعادة الإعمار هى خمس سنوات بتكلفة إجمالية ٥٣ مليار دولار مستهدف من الدول المانحة والمؤسسات المالية التى ستساهم فى التمويل.
و من المتصور أن يبدأ الإعمار من محور صلاح الدين ليمتد الى مناطق سكنية مختلفة في خمسة قطاعات فى غزة ( رفح، خان يونس، دير البلح، غزة وشمال غزة).
ولضمان الكفاءة والاستدامة وفاعلية الخطة، فقد تم صياغتها لصالح الفلسطينيين فى قطاع غزة بحيث يتم إعادة بناء القطاع من أبناء الشعب الفلسطيني الشقيق، مع إبقائهم في أرضهم.
يقول الخبراء أن الخطة تمت صياغتها بدقة وبصورة تراعى أيضا الرابط غير القابل للفصل بين غزة والضفة الغربية باعتبارهما إقليم الدولة الفلسطينية المستقلة، وبحيث تساهم عملية إعادة الإعمار في تعزيز الترابط الاقتصادي والاجتماعي والتنموي والتكنولوجي بينهما.
و من الناحية السياسية .. تشمل العناصر اللازمة لتنفيذ الخطة خفض التصعيد والتنفيذ الكامل لاتفاق وقف إطلاق النار فى قطاع غزة والحفاظ على استدامته؛ الحوكمة من خلال إنشاء وتمكين لجنة إدارة غزة لتسيير الأمور الحياتية لسكان القطاع لفترة مؤقتة والعمل بالتوازي على تمكين السلطة الفلسطينية؛ الأمن من خلال تدريب وبناء قدرات العناصر الشرطية بهدف نشرها فى غزة، ودراسة نشر قوات دولية للحماية/لحفظ السلام بفلسطين بولاية واضحة بموجب قرار مجلس الأمن على أن يكون ذلك مرتبطاً بأفق للتوصل لحل الدولتين؛ بالإضافة إلى الأفق السياسي: استئناف العملية السياسية بين الجانبين لإقامة الدولة الفلسطينية، وبما يحول دون العودة إلى دائرة العنف المفرغة.
إن مصر التى حملت منذ فجر التاريخ شعلة السلام، ووقعت فى التاريخ الحديث على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية في 26 مارس 1979، لم تكن لتتوانى عن المبادرة لقيادة جهود تحقيق السلام فى غزة رغم كل التحديات الإقليمية والدولية سياسية كانت أو اقتصادية .. فانخرطت دون كلل ومنذ اللحظة الأولى لاندلاع الحرب على غزة فى أكتوبر ٢٠٢٣ في جهود مضنية لحماية الشعب الفلسطينى والتخفيف من معاناته الإنسانية، فدعت بعد ايام قلائل الى قمة القاهرة للسلام التى عقدت فى ٢١ أكتوبر ٢٠٢٣ حيث أكدت مصر رفضها التام، للتهجير القسري للفلسطينيين، باعتباره تصفية نهائية للقضية الفلسطينية وإنهاء لحلم الدولة الفلسطينية المستقلة، وإهدارًا لكفاح الشعب الفلسطيني، والشعوب العربية والإسلامية، وكل الأحرار في العالم، على مدار ٧٥ عامًا، هي عمر القضية الفلسطينية.