تنصلت إسرائيل من اتفاق وقف إطلاق النار المبرم مع حركة حماس، حيث عاودت شن حربها ضد قطاع غزة عبر شن غارات دموية عنيفة على أجزاء متفرقة من نواحيه، مخلفة المئات بين الشهداء والجرحى، وسط تنديد عربي وأممي، فيما عده خبراء تعطيلًا لكافة الجهود الرامية لحقن الدماء الفلسطينية عبر إنفاذ الحلول السياسية.
جاء استئناف الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة بأمر من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي أوعز باتخاذ ما وصفه بـ "إجراءات صارمة ضد حركة حماس في قطاع غزة"، لكن في الحقيقة، لا يتعدى الأمر كونه استهدافًا للمدنيين العزل في خيامهم ومنازلهم.
وبينما زعم رئيس الوزراء الإسرائيلي أن ذلك جاء في أعقاب رفض حركة حماس المتكرر لإطلاق سراح المحتجزين، ورفضها جميع المقترحات التي تلقتها من المبعوث الرئاسي الأمريكي ستيف ويتكوف والوسطاء، فإن الحقائق تؤكد أن إسرائيل هي من تنصلت مما جرى التوافق عليه، وأرادت تنفيذ مقترح أمريكي يبقي الباب مفتوحًا أمامها لاستئناف الحرب متى شاءت، وأين أرادت.
وفي المقابل، أكدت حركة حماس أن استئناف حرب الإبادة الجماعية ضد المدنيين العزل في قطاع غزة بمثابة انقلاب على اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 19 من يناير 2025.
حماس طالبت الوسطاء، والدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولي بـ"التحرك للجم التوحش النازي الصهيوني، وحرب الإبادة ضد المدنيين بغزة"، حسبما قالت.
وفي غضون ذلك، أكد الدكتور رامي عاشور، أستاذ العلاقات الدولية، أن التصعيد الإسرائيلي الحالي في قطاع غزة يستهدف بالدرجة الأولى ضم كافة الأراضي المتبقية من فلسطين، مؤكدًا أن ذلك كان متوقعًا.
وأوضح الدكتور رامي عاشور، في حديث لـ"دار الهلال"، أن البداية ستكون عبر التصعيد من شمال قطاع غزة، وذلك بهدف دفع ساكنيه إلى النزوح، ليُتبع هذا مباشرةً عملية استيطان إسرائيلية هناك، أما بالنسبة للفلسطينيين الذين نزحوا، فسيتم نقلهم إلى الوسط، حتى يتم دفعهم بشكل تدريجي إلى الحدود المصرية، لنصبح أمام "سياسة أمر واقع".
وأشار إلى أنه فيما يتعلق بجماعة "الحوثيين"، فهم مشغولون بالدفاع عن أنفسهم في ظل هجمات الولايات المتحدة الأمريكية ضدهم، فهي تسعى رفقة إسرائيل إلى القضاء عليهم، إلى جانب حركة حماس.
وأكد أن عملية القضاء على حركة حماس ستتم على حساب عشرات آلاف الأرواح المتبقية من الفلسطينيين، مؤكدًا أن "قادة حماس" لهم دور في استمرار المجازر الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني حتى اللحظة.
وأضاف موضحًا وجهة نظره، أن ذلك يرجع إلى أن حركة حماس تقاعست عن تنفيذ "المبادرة المصرية"، عبر تمسكها باستمرار حكم القطاع الفلسطيني وبقاء كتائبها المسلحة، ففي حال تنفيذ ما سبق، لم تكن إسرائيل لتجد ذريعة تواصل بها حربها.
وبينما يؤكد أستاذ العلاقات الدولية أن إسرائيل وقادتها "مجرمون" بلا أدنى شك، كان يجب على حركة حماس أن تحتاط وألا تمنحهم الذرائع التي يريدونها.
وأوضح أن الحل الأخير للمأساة الفلسطينية كان في تنفيذ "المبادرة المصرية"، التي حظيت بدعم الأمم المتحدة، والتعاون الإسلامي، والاتحاد الأوروبي.
واختتم مؤكدًا أن هذه "المبادرة" كانت ستضيع كل الإنجازات التي حققتها إسرائيل، ولذا هي كانت حريصة على ألا تنفذ، وبالتالي، فإن "المبادرة المصرية" تعد آخر ما قُدم لإنقاذ الفلسطينيين.
دفع المقاومة نحو الاستسلام
وعزى الدكتور مختار غباشي، الخبير السياسي والاستراتيجي، من جهته، التصعيد الإسرائيلي في قطاع غزة إلى رغبة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في إجبار المقاومة الفلسطينية على التوقيع على ورقة استسلامها، بعد أن فشل عسكريًا في ذلك.
وفي شأن سيناريوهات هذا التصعيد، يستشهد الدكتور مختار غباشي، في حديث لـ"دار الهلال"، بتصريح عضو الكنيست الإسرائيلي عوفر كسيف، بأن "ما يجري في غزة ليس انهيارًا كاملًا لاتفاق وقف إطلاق النار، بل هو تعمد من سيد "القتلة نتنياهو" للإبقاء على حكومته".
وبناءً عليه، يتساءل: هل هذه عملية تستهدف الضغط على المقاومة للقبول بمطالب إسرائيل في سياق المفاوضات، أم أن الأمر سيتعدى ذلك وستكون سلسلة من الضربات المتتالية؟، مؤكدًا أن ذلك ما سيتم استكشافه في الساعات القادمة، في ظل تواصل المجازر الإسرائيلية التي أوقعت نحو 400 شهيد منذ صباح اليوم، بخلاف الجرحى.
وفي هذا السياق، طالب غباشي الدول العربية والإسلامية باتخاذ موقف يرقى إلى الجرائم التي تنفذها إسرائيل بحق أهالي قطاع غزة.
ويؤكد الخبير السياسي والاستراتيجي، أن التصعيد الإسرائيلي في غزة لم يكن ليحصل لولا الهجمات التي نفذتها الولايات المتحدة الأمريكية ضد اليمن، حيث إن من شجعها على معاودة استئناف الحرب. فضلًا عن ذلك، فإن تصريحات المستوى السياسي سواءً في "تل أبيب" أو "واشنطن" أكدت أن الهجمات الإسرائيلية تمت بالتنسيق بين البلدين.
عرقلة كافة الجهود
من جانبه، يؤكد الدكتور حسن سلامة، أستاذ العلوم السياسية، أن خطورة التصعيد الإسرائيلي تكمن في وقف كافة الجهود الرامية إلى إنهاء الحرب في قطاع غزة، عبر الحفاظ على استدامة وقف إطلاق النار هناك، فضلًا عن تعطيل كافة الجهود الرامية إلى إنفاذ الحلول السياسية.
وأوضح الدكتور حسن سلامة، في حديث لـ"دار الهلال"، أن خطورة هذا التصعيد لا تتوقف عند هذا القدر، بل قد يمتد إلى نواحي أخرى في المنطقة، عبر انضمام قوة أخرى له مثل "الحوثيين" في اليمن، والجماعات الموالية لـ"طهران".
وأشار إلى أن هناك سيناريوهات مفتوحة على جميع المجالات، جراء التصعيد الإسرائيلي الحاصل في قطاع غزة، مؤكدًا أن كل هذه السيناريوهات "كارثية" بالنسبة إلى منطقتنا، بدليل عودة إيتمار بن جفير، الذي كان يتمسك باستمرار الحرب إلى الحكومة.
وفي هذا الإطار، أكد أستاذ العلوم السياسية، أن بطبيعة الحال هناك جهود ستبذل من الأطراف المعنية، وفي مقدمتها مصر، التي ستتحمل العبء الأكبر من أجل تحقيق التهدئة مرة أخرى، مؤكدًا أن الأمر لن يكون بالسهل، حيث إن من الواضح أن هناك توسعًا في العمليات العسكرية، فضلًا عن ضوء أخضر من الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الشأن، التي هي الطرف الأكثر تأثيرًا في هذه المعادلة.
واختتم بالتأكيد أن خلاصة الأمر تكمن في أنه إذا ضغطت الولايات المتحدة الأمريكية، فقد يتم العودة إلى الهدوء مرة أخرى، ولكن ليس في الأمد المنظور.