الخميس 20 مارس 2025

ثقافة

نساء فى الإسلام( 19 ــ 30)| «أم أيمن» حاضنة رسول الله.. جوهرة الوفاء وأم الشهداء

  • 19-3-2025 | 21:10

أم أيمن

طباعة
  • همت مصطفى

 

في أروقة التاريخ وإشراقة الحضارة، تتلألأ صور «نساء الإسلام» كنجومٍ سطعت في سماء الإيمان والعطاء، خلدهن إيمانهن و مواقفهن القوية دفاعًا عن ديننا الحنيف ينشدون ثواب الآخرة والهدى للبشرية كلها فتركن أثرًا كبيرًا  محفوظًا في ذاكرتنا ووجداننا وهدى وبوصلة لنا في الطريق.

ومع بوابة «دار الهلال» في أيام شهر رمضان الكريم لعام 1446 هجريًا  نقدم كل يوم حلقة من سلسلة «نساء في الإسلام» لتأخذنا إلى عمق النفوس، حيث تتجسد شجاعة المرأة وعزمها في مواجهة تقلبات الزمان، في كل حلقةٍ، نكتشف حكاياتٍ نسجت بخيوط العزيمة والإيمان، رسمت بمسحاتٍ من النور ملامح الحضارة الإسلامية هنا، يتلاقى الجمال الروحي مع القوة الإنسانية، وتنبثق من رحم التحديات أروع معاني التضحية والكرامة، لتكون المرأة ركيزة لا غنى عنها في بناء حضارتنا وإرثها العريق.

ولقاءنا في اليوم التاسع عشر من رمضان 1446 هجريًا الموافق 19 مارس 2025 ميلاديًا مع الصحابية الجليلة..«أم أيمن» حاضنة رسول الله 


اشتهرت السيدة  بركة بنت ثعلبة  بن عمر بن حصن بن مالك بن عمر النعمان، باسم «أم أيمن»، وتُكنى أيضًا بـ «أم الظباء»، وهي مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحاضنته، ومن هذا كان من  ألقابها «مولاة رسول الله»، و«حاضنة رسول الله»، و «أمة رسول الله»

ولدت «أم أيمن»  في الحبشة، فهي حبشية، غنتمها قريش مع من جاءوا يريدون هدم البيت  فأصبحت مولاة لعبد الله بن عبد المطلب، وعاشت في مكة، وورث رسول الله  السيدة«أم أيمن» من أبيه ثم أعتقها عندما تزوج بأم المؤمنين خديجة بنت خويلد، أم المؤمنين رضي الله عنها، وهي صحابية مباركة، وعرفت «أم أيمن»  النبي صلى الله عليه وسلم طفلًا صغيرًا، ونبيًا مرسلًا، وعاشت مراحل النبوة كلها، وعاصرت الأحداث الإسلامية ، وكانت من المهاجرات الأول- رضي الله عنها.

 

وكانت  «أم أيمن» مع آمنة بنت وهب أم النبي صلى الله عليه وسلم حين ذهبت إلى المدينة لزيارة بني النجار أخوال جده عبد المطلب، ولما عادت إلى مكة مرضت آمنة في الطريق، و توفيت في الأبواء، فعادت  «أم أيمن»  برسول الله  وأصبحت حاضنته، وأوقفت نفسها لرعايته والعناية به، وغمرته بعطفها ، كما غمره جده عبد المطلب بحبه ، وعوضه الله تعالى بحنان جده وأم أيمن عن حنان الوالدين، وأحبه «عبد المطلب» ، حبًا شديدًا وكثيرًا ما كان يوصي الحاضنة «أم أيمن»  قائلا لها: يابركة، لا تغفلي عن ابني، فإني وجدته مع غلمان قريبًا من السدرة، وأن أهل الكتاب يزعمون أن ابني هذا نبي هذه الأمة .

وشب رسول الله  وهو يقدر «أم أيمن» ويكرمها، لأنها كانت رضي الله عنها تقوم على أموره وشؤونه، وترعاه رعاية حسنة، فلما تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم، السيدة خديجة رضي الله عنها، أعتق «أم أيمن»  فتزوجها عبيد بن زيد الخزرجي ، فولدت له أيمن ، وأيمن هو  من الصحابة المهاجرين  والذين خاضوا المعارك في الجهاد، و قتل يوم حنين رضي الله عنه .

 

وكانت خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها قد ملكت  الصحابي زيد بن حارثة، فسألها رسول الله أن تهب له زيدًا فوهبته له، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه و يؤثره على نفسه فأعتقه، ثم زوجه  «أم أيمن»، فولدت له «أسامة» فكان يكنى به ،وأضحت السيدة «أم أيمن»  زوجًا لحب رسول الله زيد بن حارثة، وأمًا للصحابي  الشهيد أيمن بن عبيد الخزرجي، وأمًا لفارس من فرسان الإسلام، وهو «الحب بن الحب» أسامة بن زيد، رضي الله عنهما .

مشاركة في الجهاد
دافعت السيدة  «أم أيمن» عن عائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك: فعندما سألها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عائشة قالت: حاشى سمعي وبصري أن أكون علمت أو ظننت بها قط إلا خيرًا.
شاركت السيدة 
«أم أيمن» في عددٍ من الغزوات، وكانت وهي كبيرة في السن  تشارك في الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي غزوة أحد خرجت 
«أم أيمن» مع النساء، وكانت مهمتها مداواة الجرحى والاعتناء بهم، وسقاية العطشى من المجاهدين، وفي غزوة خيبر خرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرون امرأة كان من بينهن السيدة  «أم أيمن»  رضي الله عنها وأما ابنها أيمن فقد تخلف لمرض فرسه، وكانت أمه قد وصفته بالجبن  وفي سرية مؤتة قتل زيد بن حارثة رضي الله عنه فتلقت «أم أيمن»  نبأ استشهاد زوجها وهي صابرة محتسبة، ثم تأتي غزوة حنين ويقتل فيها ابنها أيمن، فتصبر وتحتسب ابنها عند الله تعالى ابتغاء مرضاته ومرضاة رسوله صلى الله عليه وسلم .

وتمر الأيام والسنوات، ويتوفي الرسول صلى الله عليه وسلم ويفجع هذا النبأ  المسلمين كثيرًا  وتظلم المدينة كلها  بفراق رسول الله ويحزن الجميع، فقامت السيدة «أم أيمن»  حزينة تبكي على فراق رسول الله كثيرًا ،وقالت «أم أيمن»  ًترثيه :

عين جودي فإن بذلك للدمـع           *****      شفـاء فأكثـري من البكـاء
حين قالوا الرسول أمسى فقيـدا        *****         ميتـا كان ذاك كل البـلاء
و أبكيا خير من رزئناه في الدنيـا       *****        ومن خصه بوحــي السماء
بدموع غزيـرة منـك حتـى              *****        يقضي الله فيك خيـر القضـاء
فلقد كان ما علمت وصـولا            *****         ولقد جاء رحمة بالضيـاء
ولقد كان بعد ذلك نــورا               *****           وسراجًا يضيء في الظلماء
طيب العود والضريبة والمعدن      *****          والخيـم خاتـم الأنبيـاء

سند النبي ورفيقة دربه

هذا وقد روي عن أنس رضي الله عنه قال : قال أبو بكر رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر : انطلق بنا إلى «أم أيمن» نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها، فلما انتهينا إليها بكت ، فقالا لها: ما يبكيك؟ ما عند الله خير لرسوله؛ فقالت: ما أبكي لأني لا أعلم أن ما عند الله خير لرسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن أبكي أن الوحي قد انقطع من السماء، فهيجتهما على البكاء .

اختلف في تاريخ وفاة السيدة «أم أيمن» الكثيرون، قال ابن كثير: «أتوفيت بعد رسول الله بخمسة أشهر، وقيل ستة أشهر، وقيل إنها بقيت بعد قتل عمر بن الخطاب، وجاء في مستدرك الحاكم:  «وقيل أن «أم أيمن» توفيت في أول خلافة عثمان بن عفان، رضي الله عنها وأرضاها .

الاكثر قراءة