مع تصاعد الجدل حول تأثير الأعمال الدرامية على الوعي المجتمعي والقيم الأخلاقية، اتخذت الدولة خطوة مهمة بتشكيل لجنة متخصصة لمتابعة وتوجيه الإنتاج الدرامي، في محاولة لاستعادة دور الدراما المصرية كقوة ناعمة تعكس الهوية الثقافية، وتساهم في بناء الوعي.
هذه الخطوة أثارت العديد من التساؤلات حول مدى فعاليتها، وآليات تطبيقها، وتأثيرها على مستقبل الإنتاج الدرامي في مصر،فبينما يرى البعض أنها ضرورة حتمية لإعادة ترتيب القيم المجتمعية وتصحيح المسار الدرامي، يؤكد آخرون على أهمية تعدد الإنتاج وحرية الإبداع، مع ضبط بعض المفاهيم بما يخدم المجتمع دون فرض قيود تحد من حرية الفن.
رؤية المنتجين والمبدعين
في هذا السياق، أكدت الإعلامية هالة حشيش فى تصريحات خاص لـ بوابة "دار الهلال":"أن قرار تشكيل لجنة متخصصة لمتابعة الدراما المصرية يعد خطوة حتمية وضرورية، تهدف إلى إعادة ترتيب القيم والفكر والأخلاق والأولويات التربوية والمجتمعية للأجيال القادمة.
وأوضحت أن نجاح هذه المبادرة يعتمد بشكل أساسي على حسن اختيار أعضاء اللجنة ومدى قدرتهم على إحداث تغيير حقيقي بعد ما شهدته الدراما في السنوات الأخيرة من إسفاف واستخفاف بعقول المشاهدين، الأمر الذي أدى إلى تشويه صورة الإنسان المصري وتأثير سلبي على آدابه وسلوكياته وقيم المجتمع".
وشددت على أهمية تمكين هذه المجموعة من ممارسة دورها بفعالية، لضمان تقديم أعمال درامية تعكس الهوية المصرية الحقيقية، وترتقي بالذوق العام، وتعيد بناء الوعي الثقافي والمجتمعي بما يتناسب مع تطلعات الدولة نحو مستقبل أكثر وعيًا ورق.
الحفاظ على حرية الإبداع
أما المنتج جمال العدل أعرب، عن رؤيته بأن تعدد اللجان بين جهات مختلفة مثل المجلس الأعلى للإعلام وجهات إنتاجية وفنية ليس الحل الأمثل، ويرى أن الحل يكمن في تشكيل لجنة واحدة شاملة تضم ممثلين عن شركات الإنتاج الكبرى، والمثقفين، ووزارة الثقافة، والعاملين في المجال، بحيث تكون هذه اللجنة محددة المعالم وقادرة على وضع أسس واضحة لتطوير الدراما المصرية.
وأضاف العدل أن الدراما المصرية بحاجة إلى مراجعة جادة تحافظ على هويتها وتعبر عن المجتمع المصري بصدق، دون المبالغة في العنف أو استخدام الألفاظ البذيئة أو المشاهد غير اللائقة، التي لا تعكس حقيقة الشارع المصري أو الأسرة المصرية.
وأكد العدل أنه لا يعارض حرية الإبداع، بل يدعم توسيع سقف الحرية لإنتاج أعمال جديدة ومبتكرة، لكنه شدد على أهمية تقديم هذه الأعمال بطريقة تحترم الذوق العام دون إسفاف أو ابتذال، وأضاف: "في الماضي، كانت القضايا الشائكة تُناقش بطرق راقية دون الحاجة إلى الإسفاف، فلماذا لا نستعيد هذا النهج؟".
التنوع في الإنتاج.. مفتاح النجاح
من جانبه، أكد المؤلف محمود حمدان أن أي إنتاج درامي يحمل رسائل إيجابية تخدم الجمهور وترتقي بالوعي يستحق الدعم، وأشار إلى أن تصريحات الرئيس المصري بشأن أهمية القوى الناعمة تعكس اهتمام الدولة بتوجيه الدراما نحو تقديم محتوى يخدم المجتمع ويحافظ على قيمه.
وأوضح حمدان أن بعض الأعمال قد تحتوي على تفاصيل تحتاج إلى ضبط لضمان تقديمها بالشكل الصحيح، داعيا إلى ضرورة التدقيق في الرسائل المقدمة للجمهور بحيث تتوافق مع المعايير الأخلاقية والمجتمعية دون فرض وصاية على الإبداع.
المنافسة والإنتاج المتعدد.. ضرورة لاستعادة الريادة
أما الناقد الفني أحمد سعد الدين، فأكد أن تشكيل لجنة أو مجموعة عمل لمتابعة الدراما يعكس اهتمام الدولة بتعزيز القوى الناعمة المصرية، لكنه شدد على ضرورة تعدد مصادر الإنتاج، وقال:"الدراما المصرية وصلت إلى عصرها الذهبي عندما كانت هناك منافسة حقيقية بين جهات إنتاجية متنوعة، مثل قطاع الإنتاج وصوت القاهرة ومدينة الإنتاج الإعلامي، مما أدى إلى تقديم أعمال ذات جودة عالية".
وأشار إلى أن عودة قطاع الإنتاج إلى الساحة قد يساهم في استعادة هذا التوازن، محذرا من اختزال مفهوم "الدراما الهادفة" في تقديم أعمال مباشرة فقط، حيث يجب أن يكون هناك اهتمام بدور المؤلف باعتباره العنصر الأساسي في بناء العمل الدرامي القوي والمؤثر.