في كل زاوية من زوايا الأرض، قامت صروح شاهقة تنطق بالجلال، وتعكس نور الإيمان، وتُردد أصداء التكبير والتهليل، إنها المساجد والجوامع، بيوت الله التي جمعت القلوب، ووحدت الصفوف، واحتضنت أرواحًا وجدت فيها السكينة والطمأنينة.
وفي شهر رمضان المبارك، حيث تصفو الأرواح وتسمو النفوس، نأخذكم في رحلة روحانية عبر الزمان والمكان، لنطوف بكم حول أجمل وأعظم الجوامع والمساجد في العالم، من قلب الحرمين الشريفين، والأرض المباركة في فلسطين، إلى مآذن الأندلس الشامخة، ومن سحر مساجد الشرق العتيقة إلى عبق التاريخ في مساجد المغرب العربي، إلى قارات العالم جميعها، سنعيش معًا حكاياتٍ من الجمال المعماري، والتاريخ العريق، والمواقف الإيمانية الخالدة.

وعبر بوابة «دار الهلال» خلال أيام شهر رمضان الكريم، لعام 1664 هجريًا / مارس 2025 ميلادي، نستعرض معكم أحد أشهر المساجد، والجوامع التاريخية في دول العالم الإسلامي، والدول العربية، حيث يجتمع الفن والهندسة والإيمان في لوحات تأسر القلوب، وتروي قصصًا من العظمة والروحانية، في ليالي رمضان المباركة.
وفي اليوم الثاني والعشرين من شهر رمضان المبارك 1446هـ/ 22 مارس 2025م نذهب في رحلة وجولة مع مع مسجد بادشاهي في باكستان
يمثل مسجد «بادشاهي» في مدينة لاهور الباكستانية واحدًا من أشهر المعالم السياحية الرئيسية التي تجسّد جمال وعظمة العصر المغولي، كما يعد أحد أهم الأمثلة على تطور الهندسة المعمارية المغولية، ويبقى شاهدًا على عظمة وإبداع المهندسين المسلمين خلال القرون الماضية من خلال استخدام ابتكارات وأنظمة بناء فنية ومبتكرة ربما لم تكن معروفة لدى غيرهم في ذلك الوقت.
وللوهلة الأولى، يفاجأ من يزور مسجد بادشاهي في قلب مدينة لاهور، الذي تم تشييده بين عامي 1671 و 1673 م ، في عهد الإمبراطور المغولي السادس «أورنجزيب الامجير» الذي كان ملكاً على معظم جنوب آسيا لما يقرب من 50 عامًا حيث عاش بين الفترة من 1618-1707 م، بأن المسجد يحتوي على نظام صوتي معقد يمكّن الإمام من إسماع صوته إلى أبعد مدى داخل المسجد، وذلك من خلال استخدام مواد خاصة وتجاويف هندسية ذكية داخل الأسقف والجدران تسمح بتضخيم الصوت وانتقاله مجسمًا قويًا إلى أبعد مدى.

تصميم المسجد
وعلى الرغم من أن مسجد «بادشاهي» لم يعد أكبر مسجد في العالم في الوقت الحالي، فإنه يعد أكبر وأفضل مسجد تم الحفاظ عليه من عصر المغول، ويرى المؤرخون أن الإمبراطور «أورانجزيب» استلهم تصميم هذا المسجد من المسجد الجامع في دلهي الذي بناه الإمبراطور المغولي شاه جيهان في عام 1658م، حيث شارك في بناء المسجد ما يزيد على 90 ألف عامل على مدار عامين.
واستخدم المهندسون المهرة الحجر الرملي الأحمر والرخام، وتم الحفاظ على ذلك خلال آخر إصلاحات شاملة للمسجد بين عامي 1939-1960م، كما استخدم البناة الضفائر الزخرفية في تزيين الأسقف والممرات الجانبية وتطعيمها بالرخام وبناء الجدران بقرميد صغير محترق، يحتوي على قشرة من الحجر الرملي الأحمر المتنوع.
فيما تُظهر الزخارف الهندسية على الجدران والأسقف الطابع الهندي والمغولي الفني المتميز بأشكاله وألوانه، وقامت الحكومات الباكستانية المتعاقبة بجهود كبيرة في ترميم وتجديد المسجد الذي يعد رمزًا وكنزًا عظيمًا لدى الشعب الباكستاني، وشملت بعض مشاريع التجديد ترصيع الرخام في قاعة الصلاة المركزية والبلاط الجديد في الفناء وترميم المآذن وإعادة المسجد إلى شكله وحالته الأصلية.
ثاني أكبر مساجد باكستان
وتبلغ مساحة فناء المسجد الضخم الذي يعد ثاني أكبر مسجد في باكستان، بعد مسجد فيصل في إسلام أباد حوالي 276 ألف قدم مربعة ويتسع لأكثر من 100 ألف مصلٍّ، وتقسم فيه قاعة الصلاة العميقة بشكل استثنائي إلى 7 مقصورات بأقواس محفورة غنية محمولة على أرصفة ثقيلة بشكل هائل، ومن بين الحجيرات السبع، هناك 3 قباب مزدوجة مكتملة بالرخام لها تقوّس فني رائع، في حين تحتوي البقية على قبب منحنية الشكل مع ضلع مركزي في السقف الداخلي والسطح المستوي فوقها، وفي الممر الأمامي الشرقي، يمتد سقف الحجرة بشكل مسطح مع حدود منحنية.
وفي عام 2000 تم إصلاح أعمال ترميم البطانة الرخامية في القبو الرئيس تحت إشراف سليم أنجوم قريشي، وبمناسبة القمة الإسلامية الثانية التي عقدت في لاهور في 22 فبراير 1م974، أدى 39 من رؤساء الدول الإسلامية صلاة الجمعة في مسجد بادشاهي، بإمامة خطيب المسجد عبدالقادر آزاد.

مصحف فريد في «بادشاهي»
ويضم مسجد «بادشاهي» مصحفًا فريدًا تم تطريزه من قبل أحد مسلمي لاهور استخدم فيه القماش والحرير بصورة بديعة، وأدرج المسجد كموقع للتراث العالمي في قائمة اليونسكو للتراث العالمي عام 1993م، وذلك بوصاية من الحكومة الباكستانية.
