رأت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية أن أوروبا تتحدث بلهجة صارمة بشأن الإنفاق العسكري، لكنها تشهد انقساما داخليا كبيرا بهذا الشأن.
وذكرت الصحيفة، في تحليل نشرته اليوم الأربعاء، أن القادة الأوروبيين تلقوا رسالة واشنطن بضرورة بذل المزيد من الجهود لدفاعهم ولأوكرانيا أيضا، وهم يُصرون على التحدث بصرامة فيما يتعلق بدعم أوكرانيا وحماية حدودهم، ويقفون في وجه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المتطلبة وحتى العدائية.
غير أن الصحيفة أشارت إلى وجود "فجوة حتمية" بين القول والفعل، ورأت أن الوحدة الأوروبية تتصدع بالفعل، خاصة فيما يتعلق بالإنفاق والاقتراض في فترة تشهد انخفاضا في النمو وارتفاعا في الديون.
وقالت الصحيفة إنه عندما أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، عن خطة عسكرية بمليارات الدولارات، تُسمى "إعادة تسليح أوروبا"، اعتبرت اثنتان من أكبر دول الاتحاد، إيطاليا وإسبانيا، أن هذه الخطة مُبالغ فيها بعض الشيء. لذا، أُعيدت تسمية الخطة الآن ب"الاستعداد 2030".
وبحسب الصحيفة، من المقرر حدوث ذلك بعد عام من انتهاء ولاية دونالد ترامب كرئيس، ولكن من المنطقي أيضا أن التزام أوروبا الجديد بالاعتماد على الذات سيستغرق وقتا، ومليارات اليورو، ومهارة سياسية، وتعاونا مع الولايات المتحدة.
ومع ذلك، يبذل الأوروبيون جهودا حثيثة للرد على ترامب بطريقة مقنعة. وقد روجت فون دير لاين لخطتها لإعادة التسليح أو الاستعداد برقم رئيسي قدره 800 مليار يورو. لكن 150 مليار يورو فقط من هذا المبلغ هي أموال حقيقية، متاحة كقروض طويلة الأجل للدول التي ترغب في استخدامها للأغراض العسكرية. أما الباقي فهو مجرد رقم نظري - إذن من الاتحاد الأوروبي لمدة أربع سنوات للدول باقتراض المزيد من ميزانياتها الوطنية لأغراض عسكرية، وفقا للصحيفة.
وأوضحت نيويورك تايمز أنه بالنسبة لدولة مثل ألمانيا، ذات الديون المنخفضة، من المرجح أن ينجح هذا، خاصة الآن بعد أن نجح المستشار القادم، فريدريش ميرتس، في إقناع البرلمان بالموافقة على تخفيف قواعد ديونه للسماح بإنفاق ضخم على الجيش والبنية التحتية المدنية والمناخ.
لكن بالنسبة لدول مثل إيطاليا وإسبانيا، اللتين قد تشعران ببعدهما عن روسيا وتعانيان من مشاكلهما المالية الخاصة، فقد لا يكون هذا خيارا سهلا. ففرنسا، على الرغم من تصريحات الرئيس إيمانويل ماكرون القوية حول "الاستقلال الاستراتيجي" الأوروبي ورغبته في قيادة القارة، مثقلة بالديون، ويشكل تراكم المزيد من الديون خطرا سياسيا واقتصاديا.
ولفتت الصحيفة إلى أنه فيما يتعلق بحلف شمال الأطلسي (الناتو)، بدأت الدول الأوروبية الكبرى تتحدث بجدية عن كيفية استبدال الدور الأمريكي الحيوي في الحلف - سواء من حيث الأسلحة المتطورة أو القيادة السياسية والعسكرية. ولكن لا توجد رغبة تُذكر في تسريع أي قطيعة مع واشنطن، لأن أي انتقال من هذا القبيل من المرجح أن يستغرق خمس أو حتى عشر سنوات.
وقالت الصحيفة إن 23 من أصل 27 دولة في الاتحاد الأوروبي من الدول الأعضاء في حلف الناتو أيضا، وتضم حوالي 95% من مواطني الاتحاد الأوروبي، وللناتو متطلباته الخاصة فيما يتعلق بالإنفاق العسكري الجديد. وتناقش الدول الأوروبية ما يمكنها اقتراحه على ترامب في قمة الناتو المقبلة في يونيو في لاهاي، والذي من شأنه ضمان التعاون الأمريكي في أي مرحلة انتقالية.
ولكن بينما طمأن مسؤولو ترامب الأوروبيين سرا بأن الرئيس الأمريكي يدعم الناتو، وسيحتفظ بالمظلة النووية الأمريكية فوق أوروبا، وسيظل ملتزما بالدفاع الجماعي، فإن آراء ترامب متقلبة بشكل ملحوظ، وهو يُصر على اعتبار الناتو ناد تدفع فيه الدول الأعضاء ثمن الحماية الأمريكية.
وأوضحت الصحيفة أنه بدافع من نية ترامب المعلنة ترك الدفاع عن أوكرانيا لأوروبا، تعمل بريطانيا وفرنسا على اقتراح لتشكيل "قوة طمأنة" أوروبية على الأرض في أوكرانيا بمجرد التوصل إلى تسوية سلمية بين كييف وموسكو، إن تم التوصل إليها أصلا. ولكن حتى الآن، لم تتطوع أي دولة أخرى في الاتحاد الأوروبي علنا للمشاركة في مثل هذه القوة، التي لا تزال غير محددة المعالم وغير ممولة إلى حد كبير، وقد رفضتها روسيا باستمرار.