ذكرت صحيفة (وول ستريت جورنال) الأمريكية، في عددها الصادر اليوم /السبت/ أن الاقتراح الجديد الذي قدمه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للحكومة الأوكرانية يمنح (واشنطن) سلطة واسعة على مشاريع الموارد الطبيعية والبنية التحتية أو بالأدق على اقتصاد أوكرانيا.
وأوضحت الصحيفة - في سياق تقرير تحليلي - أن إدارة ترامب تنتظر أن تُوقع أوكرانيا سريعًا اتفاقية جديدة تمنح (واشنطن) سلطة واسعة على اقتصاد حليفتها؛ لكن المشكلة تكمن في أن أوكرانيا لا تستطيع قبول الشروط على الأرجح.
ورأت الصحيفة أن هذا التباين في التوقعات يهدد بتهيئة الولايات المتحدة وأوكرانيا لجولة جديدة من الصراع حول ما يمكن أن يحصل عليه الرئيس ترامب مقابل دعم كييف في حربها ضد الغزو الروسي، وقد أدت اتفاقية اقتصادية سابقة، أقل شمولا، إلى خلاف حاد في البيت الأبيض بين ترامب ونائب الرئيس جيه دي فانس من جهة، والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من جهة أخرى.
ونقلت الصحيفة عن دانيال بيلاك، المحامي والشريك في مكتب كييف لشركة كينستيلار للمحاماة قوله: "يشعر الأوكرانيون بأنهم لا يستطيعون التخلي عن سيادتهم الاقتصادية الكاملة دون مقابل"، مضيفة أن تصريح ترامب في أوائل فبراير الماضي عن رغبته في الحصول على "المعادن الأرضية النادرة" الأوكرانية، وهي مجموعة من المعادن المستخدمة في التقنيات الحديثة من الهواتف المحمولة إلى السيارات الكهربائية، تطور إلى خطة للولايات المتحدة لجني الأرباح من المشاريع الاقتصادية الأوكرانية في مجالات المعادن والنفط والغاز وغيرها من الموارد الطبيعية، بالإضافة إلى مشاريع البنية التحتية بما في ذلك الموانئ وخطوط الأنابيب.
وتابعت أن المسودة، المكونة من 55 صفحة، والتي أطلعت على نسخة منها، تهدف إلى تلبية مطلب ترامب باستعادة مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية والمالية من أوكرانيا التي دعمت مقاومتها للغزو الروسي منذ عام 2022، وقدر ترامب مساهمة الولايات المتحدة بـ 350 مليار دولار، وهو ما يفوق بكثير تقديرات أوكرانيا البالغة حوالي 100 مليار دولار.
وتقترح المسودة، التي أرسلتها وزارة الخزانة الأمريكية إلى كييف في وقت سابق من هذا الأسبوع، شراكة محدودة مسجلة في ولاية ديلاوير وتُسمى "صندوق الاستثمار لإعادة الإعمار الأمريكي الأوكراني".
وقال تيموفي ميلوفانوف، رئيس كلية كييف للاقتصاد ووزير الاقتصاد الأوكراني السابق، إن مسودة الاتفاق غير مألوفة لاتفاقية بين الدول، إذ تُشبه اتفاقية تجارية، مضيفا :" لا أعرف كيف يُمكن صياغة اتفاقية تجارية بين الحكومات"، مضيفا أن الاستثمارات من الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، من بين جهات أخرى، ستكون غير متوافقة مع هذه الاتفاقية، مُضيفا أن البرلمان الأوكراني لن يُقرها أبدًا.
ومن جانبه، قدم البيت الأبيض، الاتفاقية المقترحة على أنها ذات منفعة متبادلة ووسيلة لتعزيز العلاقات.. حيث قال جيمس هيويت، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي: "تُتيح اتفاقية المعادن لأوكرانيا فرصة بناء علاقة اقتصادية مستدامة مع الولايات المتحدة تُشكل أساسًا للأمن والسلام على المدى الطويل، كما ستُساعد الاتفاقية في ازدهار أوكرانيا، وتعكس التزام أمريكا السابق والحالي تجاهها".
بدورها، استجابت أوكرانيا بحذر، ولا تزال تعمل على إعداد رد رسمي، حيث يفتقر مشروع الاتفاق إلى الضمانات الأمنية التي سعت إليها أوكرانيا، ويعيد طرح مسألة ما إذا كان ينبغي على أوكرانيا سداد قيمة المساعدات العسكرية التي تقدمها للولايات المتحدة منذ عام 2022، وهو سؤال لم يكن مطروحًا في أي مقترح سابق.
وصرحت يوليا سفيريدينكو، وزيرة الاقتصاد الأوكرانية، أمام البرلمان الأوكراني يوم أمس الجمعة: "بإن أي نقاشات علنية حول نص هذا الاتفاق في هذه المرحلة لن تؤدي إلا إلى الإضرار بالمفاوضات وعرقلة الحوار البناء مع شركائنا الأمريكيين".
وأشارت الصحيفة إلى أن الصندوق سيكون له حق الرفض الأول على جميع مشاريع الموارد الطبيعية والبنية التحتية في أوكرانيا التي تسعى البلاد لجذب مستثمرين لها، سواء كانت جديدة أو قائمة.
كما ستُحول أرباح هذه المشاريع إلى صندوق يُديره مجلس إدارة يتألف من ثلاثة ممثلين أمريكيين وممثلين أوكرانيين، مما يمنح واشنطن سيطرة فعلية على إدارة الصندوق ويجب أن تتجنب مشاريع الصندوق تصدير المعادن الأساسية إلى منافسين استراتيجيين للولايات المتحدة.
وتنص الوثيقة على أن أموال الصندوق ستُخصص لسداد المساعدات التي قدمتها الولايات المتحدة لكييف منذ الغزو الروسي. ولا توضح الوثيقة حجم الأموال التي ستُخصص لإعادة الإعمار التي تشتد الحاجة إليها - حتى في الوقت الذي تُكافح فيه أوكرانيا للحفاظ على خدماتها الأساسية وسط القصف الروسي، حسبما أفادت الصحيفة.
وفي حال توقيع الوثيقة، سيكون أمام أوكرانيا 45 يومًا لتقديم قائمة بالمشاريع المتعلقة بالموارد التي تم ترخيصها بالفعل من قبل السلطات الأوكرانية.
وحتى لو أرادت كييف إيجاد مستثمرين آخرين لمواردها المعدنية والطبيعية الهائلة، فسيتعين عليها أولًا عرض المشروع على مجلس إدارة الصندوق. وفي حال رفض الصندوق قبوله، لن تتمكن أوكرانيا من تقديم شروط اقتصادية أفضل للمستثمرين المحتملين الآخرين في العام التالي.
وينبع حذر أوكرانيا من أن تشكيك زيلينسكي في الاقتراح الأصلي قد أدى إلى تدهور حاد في العلاقات، والذي بلغ ذروته في نقاش حاد في البيت الأبيض لتوقف الولايات المتحدة الإمدادات العسكرية وتبادل بعض المعلومات الاستخباراتية بعد الاجتماع.
ونقلت الصحيفة عن راشيل ريزو، الزميلة البارزة في المجلس الأطلسي للأبحاث في واشنطن، قولها بأنه لا ينبغي لأحد افتراض أن لدى ترامب خطة لما سيحدث في حال عدم توقيع أوكرانيا على الاتفاق.
وقالت: "يبدو أن الإدارة تُرتجل في هذه المرحلة فيما يتعلق بدعم أوكرانيا. مع ذلك، أفترض أن هناك خطة للضغط الشديد على الأوكرانيين لحملهم على الرضوخ لما يريده فريق ترامب منهم".. مضيفة: "دعم أوكرانيا ليس على أجندة هذه الإدارة كما كان الحال مع بايدن".