في أوقات التحديات لابد أن يكون كل شيء على قدر التحدي، ومصر تمر بتحديات جسام على كل الأصعدة، تبني المستقبل في محيط هادر لا يهدأ أبدًا، تقف صلبة صامدة قوية في وجه مخططات تحاك ليل نهار تستهدف أمنها القومي على كل الاتجاهات الاستراتيجية، وفي مثل هذه الأوقات لا مجال إلا أن يكون الجميع مدركًا لطبيعة التحديات، وإذا كانت الدراما الرمضانية وما تم تقديمه هذا الموسم على بعض القنوات قد فرض نفسه، فالحديث واجب عن الدراما التي يحتاجها الوطن في مثل هذا التوقيت، الذي يواجه فيه تحديات جسيمة وغير مسبوقة، ولابد أن يكون هناك إنتاج درامي على قدر هذه التحديات.
ولأن الدراما جزء من بناء الوعي وتشكيل الوجدان والشخصية والذوق العام لذلك لابد أن تراعي قيم المجتمع وتناسب الهوية المصرية.
وبلا شك يجب ألا تتحول صناعة الدراما إلى مجرد تجارة بحسابات المكسب والخسارة، يقدم منتجوها الغث يستهدفون جني الأرباح حتى، ولو كان ذلك على حساب قيم المجتمع، ويبتعدون عن السمين ظنا منهم – وظنهم إثم – أنه لا طائل من ورائه.
وبعض جهات الإنتاج لا يهمها مصلحة المجتمع ولا تبحث عن بناء الوعي بل ربما تستهدف تدمير القيم والثوابت، وتعتمد خطة محكمة لتقديم الإسفاف والعبث والأفكار المدمرة ولا تبحث إلا عن الإلهاء.
والحق أن موسم الدراما الرمضانية الحالي به نماذج لأعمال درامية محترمة، قدمت قيمة كبيرة عرضت عبر قنوات الشركة المتحدة، مثل ولاد الشمس ولام شمسية والنص وقهوة المحطة وغيرها من الأعمال الإبداعية، ولكن لا نزال نحتاج إلى المزيد من خلال إنتاج درامي له أهداف واضحة ومحددة يدعم جهود الدولة في البناء، ويعرض الإنجاز العبقري الذي تم عبر السنوات الماضية، يوثق لمشروعات عظيمة نفذت بالعرق والجهد، ويبرز التضحيات الكبيرة التي بذلت من أجل بناء هذا الوطن وحمايته والحفاظ على أرضه.
نحتاج دراما تشبه حياتنا المصرية الخالصة دون "زعيق" وصوت عالٍ بلا مبرر، دراما تحمل بصمة هويتنا وروحنا، تنقل واقعنا وتناسب الذوق العام للمصريين.
مصر التي نعشقها ونعرفها لم تكن يوما مجتمعا يتسيد فيه البلطجية أو العاهرات، وصورة البطل الشعبي ليست هي التي تروج لها المسلسلات.
المصريون شعب طيب وأصيل لديه قيم وأخلاق، يوقر الكبير ويعطف على الصغير، يحترم المرأة وينزلها منزلتها التي تليق بقدرها.
حياة المصريين طبيعية لا تحمل تزايدًا، يعشقون وطنهم، ينشرون المحبة والضحكة الحلوة، يكرمون الضيف ويغيثون الملهوف، يحبون الجار، وشعارهم "الناس لبعضيها".
في الشارع المصري مئات، بل ملايين الحكايات الحية الطازجة، كل حكاية منها تصلح لنسج أجزاء مسلسلة من دراما واقعية من قلب الشارع المصري.
الحكايات التي تنبض بالحياة حولنا في كل شارع، وكل بيت، أناس من لحم ودم يحبون وطنهم ولا يقبلون الدنية أبدًا، يكافحون بشرف من أجل لقمة حلال، وحكايات السيدات الفضليات اللاتي كتب عليهن أن يكن العائل لأسرهن وعبروا بأبنائهن إلى بر الأمان تصلح لإنتاج مئات المسلسلات.
أما حكايات الأبطال والشخصيات المصرية العظيمة فحدث ولا حرج، في كل مجال أبطال كانت لهم قصص ملهمة في الفكر والثقافة والأدب والاقتصاد والعلوم والفنون.
وتبقى حكايات الأبطال الذين دافعوا عن الوطن عبر العصور وحموا الأرض والعرض بأرواحهم زادًا يلهم الأجيال، قصص البطولة الخالدة سجلاتها تصنع عشرات الأعمال الدرامية، وسجلات المصريين زاخرة بقصص البطولات التي تصلح لكل زمان وأوان.
مصر الطيبة تستحق دراما تشبهها تبني الوعي وتشكل الذوق العام وتحافظ على قيم المجتمع وثوابته.
ورسائل الرئيس عبد الفتاح السيسي أكدت دور الفن في تشكيل الشخصية المصرية والذوق العام، وتوجيهه بمراجعة ملف الدراما والفن جاء في هذا السياق.
الرئيس السيسي أكد أهمية التوقف عند ملف الدراما فتأثيرها على المجتمع كبير جدا، وهناك ضرورة لصياغة وتنظيم هذا الملف.
رسائل الرئيس جاءت تعبيرًا عن نبض المصريين الذين انزعجوا مما قدمته بعض الأعمال الدرامية خلال الموسم الرمضاني.
ننتظر الكثير من صناع الدراما والقائمين عليها خلال الفترة المقبلة، مصر تستحق دراما تليق بها وبحجم التحديات التي تواجهها، دراما ترصد وتوثق الإنجازات والمشروعات القومية الكبرى، التي تحققت على أرض الواقع رغم الظروف الإقليمية الصعبة.
نحتاج عملا دراميا ملحميا على غرار الاختيار، الذي التفت حوله الأسرة المصرية على مدار ثلاثة مواسم رمضانية، وهو ما أعادنا إلى الملحمة الخالدة رأفت الهجان أيقونة المسلسلات الرمضانية في الثمانينيات.
نتشوق إلى أعمال من سلالة ليالي الحلمية والشهد والدموع وأبو العلا البشري.
والمؤكد أنه بعد التوجيه الرئاسي والتحركات من الجهات المعنية لمناقشة ملف الدراما سنشهد أعمالًا تليق بوطننا العظيم.