الإثنين 12 مايو 2025

تحقيقات

الكحك.. حكاية قديمة تجدد في الأعياد

  • 31-3-2025 | 10:21

كحك

طباعة
  • محمود غانم

ما بين مصر القديمة ومصر المعاصرة، يبرز كحك العيد كموروث قديم حافظ عليه المصريون جيلًا بعد جيل، كأحد مشاهد الفرحة بهذه المناسبة الدينية، والتي تعدّت في بعض العصور لتصبح عندهم وجهًا من وجوه البر والإحسان.

 كحك العيد النهردة

يُزعم أن كلمة "كحك" قبطية، وعلى هذا النحو فإن أصل الكحك يعود إلى مصر القديمة، أي قبل الفتح الإسلامي، ويدعم ذلك شكل الكحك، إذ يُقال إن سبب تقطيع الكحك على شكل أقراص هو أن تكون مثل قرص الشمس، الذي يحظى بالتقديس في هذا الزمن.

وكانت جدران معابد طيبة ومنف الفرعونية تُظهر تفاصيل صناعة الكعك بشكل مفصل، وخاصةً في مقابر "رخمي-رع" من الأسرة الـ18، حيث توضح الرسوم أن عسل النحل كان يُخلط بالسمن ويُقلب على النار، ثم يُضاف إلى الدقيق ويُقلب حتى يتحول إلى عجينة يسهل تشكيلها، ومن ثم يُرص على ألواح "الإردواز" ويوضع في الأفران، أو يتم قلي بعضها في السمن أو الزيت.

ومع ذلك، لا يمكن اعتبار أن أصل ظاهرة كحك العيد يعود بالضرورة إلى مصر القديمة، حيث أخذ شكلًا مغايرًا تمامًا في العهد الإسلامي، مما قد يعني أن الاشتراك في الاسم هو ما يجمع بين الفترتين، وليس أكثر من ذلك. 

 

كحك العيد

في مصر الإسلامية، ظهر الكحك لأول مرة في عهد أحمد بن طولون، حيث كان يُصنع ويوزَّع في المناسبات الدينية، ولا سيما في عيد الفطر.  

وتواصلت صناعة الكحك في عهد الدولة الإخشيدية، بل اعتنت بصناعته بشكل فريد من نوعه، إذ أمر أحد وزرائه بعمل كحك محشو بالدنانير الذهبية، وأطلق عليه آنذاك "أفطى له"، أي للدينار الذهبي بداخله.  

فيما ازدهرت صناعة الكحك في العيد عند المصريين في العصر الفاطمي، الذي جعل له إدارة حكومية خاصة عُرفت بـ"دار الفطرة"، حيث كانت تعمل على تجهيز كميات هائلة من الكحك لتوزيعها. 

وكان يُرصد لإعداد هذه الأصناف ميزانية ضخمة بلغت في بعض السنوات 16 ألف دينار ذهبي (وزن الواحدة 4.25 جرامًا)، وذلك لشراء الدقيق وقناطير السكر واللوز والجوز والفستق والسيرج والسمسم والعسل وماء الورد والمسك والكافور. 

بينما كان يُوضع إنتاج "دار الفطرة" من الكحك في سماط هائل ليبدو كجبل عظيم أمام شباك القصر الفاطمي، حيث يجلس الخليفة ليرى بعينه رأس الناس، وهي تأخذ الكحك لتأكله أو تهديه أو تبيعه في الأسواق البعيدة عن القاهرة.

وفي العهد الأيوبي، استمر المصريون في صناعة الكحك للعيد، على الرغم من الجهود الدؤوبة التي بذلها السلطان صلاح الدين للقضاء على كل ما يمت بصلة للدولة الفاطمية "الشيعية"، إلا أن هذه الظاهرة استعصت عليه، نظرًا لأنها انغرست في وجدان المجتمع.

وفي العهد المملوكي، الذي أعقب هذا العصر، بلغ اهتمام المماليك بكحك العيد مبلغًا كبيرًا، حتى أنهم اعتبروه من أوجه البر والصدقات التي توزع على الفقراء، حتى لا يحرموا منه في عيد الفطر. 

ويتأكد ذلك من خلال "وقفيات" العصر المملوكي، حيث نجد فيها أكثر من إشارة لعمل الكعك وتوزيعه على موظفي الجوامع والمدارس، وعلى المتصوفة بالخوانق، وكذلك على تلاميذ المدارس وأطفال الكتاتيب.

كذلك اهتم العثمانيون بتوزيع الكعك العيد على المتصوفين والتكايا والخانقات، المخصصة للطلاب والفقراء ورجال الدين، بنفس النحو الذي كان في العصر المملوكي.

 

كحك العيد النهردة

وإلى يومنا هذا، ما يزال المصريون يحافظون على عادة تحضير كحك العيد، متجاوزين في تحضيره الموروث التقليدي عن الأجداد، حيث بات يأخذ أشكالًا وأطعمة مختلفة.

أخبار الساعة

الاكثر قراءة