ولدت الفنانة الراحلة داليدا، التي تُعد واحدة من أبرز أيقونات الغناء في العالم، في حي شبرا بالقاهرة لأبوين مهاجرين، حيث تعود أصولها إلى جزيرة كالابريا في إيطاليا نشأت في بيئة تميزت بالتقاليد الصارمة والرقابة المشددة من قبل والديها ولكن رغم هذه الظروف، تمكّنت داليدا من أن تكون واحدة من أكثر الشخصيات تأثيرًا في عالم الفن كانت البداية صعبة، فقد نشأت في أسرة متشددة؛ والدها كان عازف كمان صارم، ووالدتها كانت تحرص على فرض رقابة شديدة على حياتها، لكن ذلك لم يثنِها عن تحقيق طموحاتها.
بدأت حياتها الفنية في مصر عندما فازت بلقب ملكة جمال مصر عام 1954، وهو الحدث الذي كان نقطة الانطلاق إلى عالم الفن ومع ذلك، لم تجد الفرصة المناسبة في مصر، فقررت السفر إلى باريس للبحث عن فرص في التمثيل في باريس، عملت دوبليرًا للممثلة الأمريكية الشهيرة جون كولينز في فيلم "يوسف وأخوته" كبديلة لها في بعض المشاهد. وعلى الرغم من هذه البداية، لم تكن الأمور تسير كما توقعت، حيث قررت العودة إلى القاهرة بعد أن شعرت أن الفرص الفنية في فرنسا محدودة.
لكن مصيرها لم يكن ليكتب بهذه الطريقة، إذ سرعان ما تحولت داليدا إلى الغناء، وكانت تلك اللحظة هي نقطة التحول الكبرى في مسيرتها ومع دخولها مجال الغناء، قررت تغيير اسمها من "دليلة" إلى "داليدا" بعد نصيحة من مساعد مخرج أمريكي في باريس، الذي اقترح أن اسم "دليلة" يبدو عدوانيًا، فجمعت بين اسمها الحقيقي "يولندا" واسم "دليلة" ليصبح "داليدا".
غنت داليدا بعدة لغات، منها العربية والفرنسية والإيطالية والإنجليزية، وحققت نجاحًا هائلًا بفضل موهبتها الفائقة وقدرتها على تنوع الأغاني بين الثقافات المختلفة من أبرز أعمالها التي تركت بصمة في الذاكرة العربية، كانت أغنيتا "حلوة يا بلدي" و"سلمى يا سلامة" كما أن لها العديد من الأغاني العالمية مثل "Bambino"، "Laissez-moi danser"، و "Avec Le Temps"، وتجاوزت أغانيها حاجز الـ 500 أغنية.
على الرغم من نجاحها الفني الكبير، كانت حياة داليدا العاطفية مليئة بالتقلبات المأساوية. تزوجت داليدا مرتين، إلا أن حياتها العاطفية كانت مليئة بالألم والمعاناة أول زيجاتها كانت من لوسين موريس، ولكن انتهت بالطلاق وبعد ذلك، خاضت قصة حب مؤلمة مع الرسام جان سوبيسكي الذي انتحر في عام 1961، لتكون تلك بداية سلسلة من المآسي العاطفية التي حاصرتها في عام 1967، ارتبطت بشاب إيطالي يدعى لويغي تنكو، الذي انتحر بعد فشله في مسابقة غنائية، وحاولت داليدا هي الأخرى الانتحار، لكنها نجت.
ورغم تلك المآسي العاطفية، فإنها استمرت في مسيرتها الفنية، حيث تركت إرثًا فنيًا خالدًا. في عام 1986، عادت إلى الشاشة الكبيرة من خلال فيلم "اليوم السادس" للمخرج يوسف شاهين، حيث جسدت دور فلاحة مصرية.
رحلت داليدا في عام 1987، تاركة وراءها إرثًا فنيًا يتجاوز الزمن كانت قد أبهرت العالم بأدائها المتميز، وأثرت في قلوب ملايين المعجبين حول العالم استطاعت أن تمزج بين الثقافات، وأن تظل دائمًا في ذاكرة الجمهور الفرنسي والمصري والعالمي كانت داليدا، بكل ما تحمله من حزن وألم، مثالاً للقدرة على التحول والتجديد، وواحدة من أكثر الشخصيات التي أسرت قلوب عشاق الفن في جميع أنحاء العالم.